صلاة التّهجُّد سُنّة نبويّة، وهي لا عدد لها، وإن كان المنقول من فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، ووقتها أيّ وقت من اللّيل، وإن كان أفضل وقتها ثلث اللّيل الأخير. وتُصلّى ركعتين ركعتين، ويجوز صلاتها أربعاً أربعاً، ويُسنّ أن يبدأ الإنسان صلاة التّهجّد بركعتين خفيفتين. تُعد صلاة التهجد من أبرز العلامات التي يتميّز بها الاعتكاف، لمَا لها من عظيم الأثر في النّفوس ولما يلمسه المرء من شعور صادق بقربه من الله تعالى، مِصداقاً لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''أقرب ما يكون الربّ من العبد في جوف اللّيل الآخر'' رواه الترمذي بسند حسن صحيح، ففي ظلّها تصفو القلوب، وتخشع النّفوس، وتتسامَى العقول والخواطر، وتعرج الأرواح إلى بارئها فتنعم بجواره وتأوي إلى رحمته. ومن الأدوار التي يمكنك القيام بها لتعميق استفادة المعتكفين بهذه المعاني الرّوحية من صلاة التّهجّد، أن توفّر لهم ظروفًا تساعدهم على ذلك مثل: الحرص على إيجاد قارئ مُجيد لحفظ القرآن، حسن الصوت، بأن يشعر مَن يُصلّي خلفه بروعة القرآن ويعيش في ظلال معانيه، كما علّمنا ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين قال: ''إنّ من أحسن النّاس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله'' رواه ابن ماجه بسند صحيح. يحسن أن يكون وقتها في الثلث الأخير من الليل وليس في منتصف الليل؛ وذلك لتفوز بالرّحمات التي أخبر بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الثلث الأخير من اللّيل حين قال: ''إذا مضَى شطر اللّيل أو ثُلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السّماء الدنيا، فيقول: هَل مِن سائل يُعطَى! هل مِن داع يُستجاب له! هل مِن مُستغفر يُغفر له! حتّى ينفجر الصبح'' رواه مسلم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يستطيع المعتكفون أن يأخذوا قِسطاً من النّوم فيقوموا للتّهجّد بنفس يقظة واعية لما تسمعه من آيات القرآن ولما تتلفّظ به من الذِّكر والدعاء. ويمكن أيضاً أن تنظّم بعض العظات القصيرة التي ترق لها القلوب، مثل: الحديث عن نِعَم الله علينا، وعن الجنّة ونعيمها، وعن مشاهد يوم القيامة... إلخ، بين ركعات التّهجّد. كذلك يمكن أن يقوم أحد المعتكفين بتحضير آية معيّنة، ويلقي خاطرة بسيطة حولها، ثمّ يترك المجال لبقية المعتكفين حتّى يتفكّروا في معاني هذه الآية ويتعايشوا معها. وفي الاعتكاف تسمو الأرواح وترق النّفوس، فتصبح في حالة من الاستعداد والتّهيّؤ لقبول النّصح والإرشاد والتّأثّر والعمل به، وهذا الاستعداد فرصة كبيرة لإكساب المعتكفين العديد من المفاهيم، وغرس الكثير من القيم والمعاني والأخلاق في نفوسهم، وليكن ذلك من خلال كلمات قصيرة وموجّهة بشكل مركّز حول أحد المفاهيم أو القيم أو الأخلاق أو الآداب أو غير ذلك بعد كلّ صلاة.