تتوسط سطيف كعروس في كامل أبهتها، لتستقبل في تناقض صارخ شهر رمضان الكريم، حيكت حولها الأساطير والقصص، وظلت على مرّ العصور ومنذ وضع تمثال المرأة الحسناء فوق ينبوع الماء سنة 1898 من قبل النحات الفرنسي الشهير فرانسيس دو سانت فيدال، رمزا للحياة المستمرة المتدفقة كتدفق الينبوع المائي.. إنها ''عين الفوارة، ومن شَرِبَ منها عاد إليها ولو بعد حين''. خلق تمثال عين الفوارة، إلى وقت قريب، مفارقة عجيبة. فالمرأة العارية وشعرها المترامي الأطراف فوق كتفيها، تحرج كل من يمرّ أمامها، خاصة العائلات السطايفية. غير أن الجلوس في وقت رمضان بعد الإفطار في المقاهي المحيطة بها لا يخلو من لذة ومتعة، تعادل الجلوس أمام الشاطئ وسماع صوت الأمواج المتلاطمة. يمتزج صخب محلات المثلجات، أباريق الشاي الصحراوي، مكسرات متنوعة وساخنة، مع الأضواء الملونة التي تزين ''ساحة الاستقلال''، لتشكل لوحة جميلة أسالت لعاب عديد المستثمرين الخواص، بدليل إنجاز 5 فنادق فخمة تحيط بتمثال عين الفوارة، في أقل من 5 سنوات. وما زاد من ازدحام المكان توفره على أرصفة واسعة، وتواجد ''المسجد الجامع العتيق''، أهم وأعرق مسجد بالولاية، الذي يُصنّف ضمن التراث الوطني. وللتمثال قصة مع العرسان والأعراس حتى في الشهر الكريم، حيث يفضل أهل المدينة إقامة أعراسهم ولو كان في شهر رمضان الكريم، فتُحضر العروس من بيت أهلها إلى بيت عريسها بعد صلاة التراويح، وتكون الوجهة أولا ''عين الفوارة''، حيث تصطف السيارات بالقرب من النبع ويشرب العريسين من مائها تبركا بدوام العلاقة، حسب اعتقاد العجائز، ثم تأخذ صورا تذكارية لهما. وكثير من العرسان يفضل قضاء الليلة في أحد الفنادق المجاورة، خاصة أن شرفاتها تطل على الساحة المحاذية لعين الفوارة، بالتوازي مع انتشار العشرات من أفراد الشرطة لتوفير الأمن للوافدين عليها، بالإضافة إلى نصب كاميرات كثيرة في مختلفة الأرجاء لمراقبة أهم ساحة في مدينة سطيف، بعد أن تعرّضت لعملية تخريبية إبان العشرية السوداء، أتلفت معالم كبيرة منها، إلى غاية إعادة ترميمها من جديد. ولا تختلف عين الفوارة عن تلك المناطق التي تلفها الأساطير والحكايات، وتروي النسوة والعجائز قديما أن الساحة التي تخلو من تمثال عين الفوارة آنذاك كانت ملاذ المسافرين والمارة من كل مكان، يقصدون ينبوع الماء المتدفق في وسطها للاغتسال والشرب والراحة هم وأنعامهم، من خيول وبغال وماشية وحتى الجمال، ثم يتوضأ المصلون عند النبع من أجل الصلاة. غير أن هذه المظاهر لم تعجب المعمرين الذين كانوا يحتلون هذه الساحة بشكل كلي، فقاموا بنصب تمثال للمرأة العارية، حتى يتم إحراج الوافدين عليها وطمس معالم القيم الروحية. في حين تروي الكتب التاريخية أن تمثال عين الفوارة هي حكاية امرأة، يقال إن حاكما فرنسيا أحبّها وعشقها، ولأنها كانت زوجة رجل آخر، لم يكن أمام الحاكم الفرنسي الولهان بجمالها سوى اختطافها، ما كسر قلب حبيبها الذي أقام تمثالا لتخليد ذكراها وسط المدينة فوق نبع ماء، حتى يبقى حبّه لها متدفقا إلى الأبد، مثل تدفق الماء من النبع الذي تعلوه.