يتولى وزير السكن الجديد القديم، عبد المجيد تبون، حقيبته خلفا للوزير نور الدين موسى، الذي لم يتمكن من تحقيق النجاح في إيجاد الشفرة الكاملة لتجسيد مشروع حلم كل جزائري في الحصول على سكن. لكن الأكيد أن الوزير السابق، الذي لم يقدم أي حصيلة على مسار سنوات من ترأسه وزارة بحجم السكن، مدرك لثقل الملف الذي حوّله لمستخلفه ملغما بالقنابل التي تنفجر ولاتزال في الجبهة الاجتماعية، قبل وبعد وأثناء توزيع ولو حصة بعشر سكنات؟ قبل أن يعرفه الجزائريون كوزير لقطاع السكن، كان نور الدين موسى مديرا لفرع البناء والأشغال العمومية بفيريتال، شركة مختلطة للمراقبة التقنية، وبعدها رئيسا مديرا عاما للمركز الوطني لهندسة البناء، ثم رئيسا مديرا عاما لمجمّع مؤسسات بناء الوسط. وقاد بعدها في ماي 2005 وزارة السياحة، ليتحوّل في التعديل الحكومي لجوان 2007 إلى وزارة السكن والعمران. عندما تبحث عن إنجازات الوزير، تصادفك البوّابة الإلكترونية للوزير الأول التي ترصد أهم ما قام به نور الدين موسى، من إنجازات قبل أن يكون وزيرا. لكن، ما الذي قام به نور الدين موسى؟ وما الذي أخفق فيه طيلة إشرافه على أهم قطاع وزاري؟ الشرارة التي أوقدت حرب البحث عن السكن لم تنطفئ طيلة قرابة ال6 سنوات من إشراف نور الدين موسى على القطاع، وككل الوزراء الذين عيّنوا، بدا الوزير متحمسا وهو يقول بأنه يأتي، اليوم، للقضاء على أزمة السكن وتجسيد مشروع الرئيس في هذا الإطار. وتوالت الأيام والشهور والسنوات، لكن وتيرة الاحتجاج والسخط لم تهدأ بل تصاعدت بشكل لافت، وبلغت مشاهد رفض ''غياب التوزيع العادل للسكن'' إلى حد الانتحار وإضرام النار في الجسد، وقطع الطرقات، وتخريب المقرات العمومية، واقتحام السكنات الشاغرة. وحتى آخر أشهر من عمره كوزير للسكن، تمسك نور الدين موسى بحلم تسليم 90 ألف وحدة سكنية قبل نهاية السنة الحالية، ورفع وتيرة الإنجاز التي كانت تتباطأ ومعها تتعالى صرخة طالبي السكن. لكن لم يتحقق حلم التوزيع، ولا حلم إشرافه على تسليم عدد من الوحدات السكنية عبر الولايات، وآخرها تجميد توزيع حوالي 500 وحدة سكنية في وهران. سكنات ''عدل'' وأمل تبون؟ قبل أن يتم الاعتماد على كل الصيغ الخاصة بالسكن في الجزائر، وجد نور الدين موسى نفسه أمام أهم وأعقد ملف، وهو بيع السكن عن طريق الإيجار ''عدل'' الذي تدافعت عليه شريحة هامة من المجتمع، حيث وجدت فيه الصيغة الأهم لتحقيق حلم الحصول على سكن. ومع أن الوزير عبد المجيد تبون هو من كان وراء استحداث هذه الصيغة، إلا أن نور الدين موسى لم يتوان في إحالة هذه الصيغة من السكن على التقاعد، بسبب مشاكل ظلت عالقة تلاحق الشركات المنجزة وصيغة الدفع وغياب العقار اللازم. ومع ارتفاع الأصوات المناهضة لإقصاء المودعين في هذه الصيغة من السكن، وجد نور الدين موسى نفسه في مواجهة وجها لوجه مع أصحاب ملفات طالبي الاستفادة من سكنات الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره ''عدل''. وبعد احتجاجات ووقفات واجتماعات، التزم هذا الأخير بتحديد قائمة المستفيدين من حصة 4 آلاف وحدة سكنية ضمن هذه الصيغة بالعاصمة. ويأمل الكثير من الذين يحلمون بشقة في هذا النوع من السكنات، أن يعيد عبد المجيد تبون لكل من سدّد مستحقات أولية الأمل في الحصول على سكنه، ولِمَ لا إعادة بعث المشروع والصيغة بالكامل. حاجز نقابة المهندسين وفضائح القطاع لم يتمكن وزير السكن السابق نور الدين موسى، وهو من مواليد 5 جوان 1956 بالبليدة، أن يضع الناشطين في قطاع السكن والشركاء في حالة ارتياح، بل شهدت فترته الكثير من الاحتجاجات، بدءا من النقابة الوطنية للمهندسين المعماريين إلى المرقين العقاريين وأصحاب الوكالات العقارية... وغيرهم. ولم يوفق الوزير في صياغة مراسيم وقوانين تنظم مهنة كل فئة. ووقف المهندسون المعماريون تحديدا في وجه الوزير، بعد أن اتهموا مصالحه بأنها لا توفر أدنى اهتمام للدراسات الهندسية في المشاريع والتهميش، رغم أن أهم جانب في المشاريع هو الاعتماد على المهندسين، وضرورة الاعتماد على مخططات وزوايا تخص الهندسة المعمارية الجزائرية العربية، للحفاظ على الطابع الجمالي والمغاربي للعمران. كما أن فضائح وسوء تسيير القطاع تلغم، بما لا يدعو للشك، قطاع السكن الذي سيكون على رأسه عبد المجيد تبون، بالنظر إلى الرشوة والاختلاس والاستيلاء على عدد من الشقق من طرف المسؤولين، بما يولّد احتجاجات وعنفا اجتماعيا في كل مرة، قد تدفع الوزير إلى التنقل إلى الولاية التي تشهد الغليان، أو إلى مساءلة وتوبيخ من الوزير الأول أو رئيس الجمهورية. السكن الهش وتسوية وضعية البنايات قضية السكنات الهشة لا يمكن للوزير تبون أن ينسى بأنه يرثها، ليس من سابقه فقط بل من سابقيه على مدى خمسين سنة. كما يجب أن يعترف بصعوبة القضاء عليها ''بين عشية وضحاها''، وهي العبارة التي كان يستعين بها نور الدين موسى قبله، ومن حقه الاستعانة بها، خصوصا أن الإحصاء الذي قامت به مصالحه منذ العام 2007 أفرز تسجيل 560 ألف سكن هشّ على المستوى الوطني، من بينها حوالي 180 ألف سكن مشيّد بالطوب في المناطق الجنوبية، وخاصة في كل من الوادي وأدرار. وشرح بأن هذا العدد تمّ التكفل به من خلال منح إعانات مالية لأصحابها، بلغت حتى 70 مليون سنتيم، من أجل إعادة ترميمها. وتبقى التركة الإضافية تخص العدد المتبقي، وهو 380 ألف سكن هشّ، منها 92 ألف من البيوت القصديرية. أما العدد الآخر، فهو مشيّد بطرق غير قانونية، ودون المعايير المتعارف عليها في البناء. وإن تم تسليم 80 ألف سكن لهذه الفئة في عهد موسى، فإن الآلاف ينتظرون من تبون تواصل العملية بشكل تدريجي لاستفادتهم. بالإضافة إلى هذا، يدافع نور الدين موسى عن حصيلته، من خلال التأكيد على أن ''عدد السكنات الاجتماعية المسلمة انتقل من 57 ألف وحدة في 2010 إلى 72 ألفا العام الماضي، مشيرا إلى أن عدد السكنات التي ستسلم في 2012 ستبلغ 90 ألف وحدة''. وعجز الوزير نور الدين موسى، بكل ما تحمله الكلمة من مقاييس، في فك شفرة تسوية وضعية البنايات، حيث لم يتم إيداع سوى 509 ,151 طلب لتسوية بنايات في نهاية الثلاثي الأول من 2012 على مستوى مختلف البلديات، في حين أن أزيد من 000, 117 ملف من بين هذه الطلبات وجهت نحو مديريات العمران والبناء من أجل الحصول على تعليمات تقنية. وبعد مرور حوالي 4 سنوات على العملية التنظيمية تطبيقا لقرارات تنفيذية صدرت في ماي 2009 تحدّد الإجراءات المتعلقة بتطبيق ميثاق مطابقة البنايات تطبيقا لقانون مؤرخ في جويلية 2008، ظلت تراوح مكانها، وهو ملف يكون عجّل برحيل نور الدين موسى، ويبقى ملفا ثقيلا على مستخلفه. ويتعيّن على الملاك وأصحاب المشاريع أو المتدخلين، التصريح بمطابقة بناياتهم لدى رئيس المجلس الشعبي البلدي التابع لهم إقليميا. ولم تتمكن ''الخبر'' من الاتصال به لمعرفة رأيه في استبعاده من الحكومة، والدفاع عن حصيلته، لكنه أدلى في آخر تصريح له بأن ''الأرقام الخاصة بتسليم السكن تدل على أن السرعة في الإنجاز أصبحت أحسن مما كانت عليه من قبل، وأن آجال إنجاز المشاريع السكنية قد تم تقليصها لتصل إلى سنتين، بعد أن كانت تنجز في مدة تتراوح ما بين سنتين ونصف إلى 5 سنوات في السابق''. وخلال تقييمه لما تحقّق من حصيلة في هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة، لم يتوان في الحديث عن ''إنجازات غير مسبوقة''، وقال إنه من حق الجزائريين أن يفخروا بالأرقام التي تجسّدت، من خلال تحسين الوضعية السكنية لما لا يقل عن 10 ملايين مواطن، وهو رقم قال إنه لم يتحقّق في أي بلد بالوطن العربي، ولا حتى في بعض القارات، على حدّ تقديره. كما أن ''عدد السكنات المنجزة من سنة 2000 إلى 2010 بلغ مليون و700 ألف وحدة سكنية، ومن سنة 2000 إلى أواخر2011 تم إنجاز مليونين و100 ألف وحدة سكنية''. ويبقى تبّون الذي ولد في 17 نوفمبر 1945 بمشرية بولاية النعامة، وتخرّج من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1969 متخصّصا في فرع الاقتصاد والمالية، بعيدا عن معرفته التامة بالسكن، رغم أنه بدأ مشواره المهني سنة 1969 متدرجا بين أمين عام لولاية ووال ليتسلّم سنة 1991 حقيبة وزير منتدب لدى وزير الداخلية مكلّف بالجماعات المحلّية، وبعد غياب عن الحكومة دام سبع سنوات، التحق بالفريق الحكومي لسنة 1999 بتعيينه في منصب وزير الاتّصال والثقافة، وهو المنصب الذي شغله مدّة 6 أشهر، قبل أن يعيّن مرّة ثانية في منصب وزير منتدب مكلّف بالجماعات المحلية. وكانت آخر مهمة حكومية تولاّها السيّد تبّون هي وزارة السكن والعمران (2001 2002). عقبات و''حرب'' تبون القادمة وكان وزير السكن والعمران الجديد، عبد المجيد تبون، قال عند استلامه مهامه بضرورة استمرارية الجهود المبذولة في القطاع لمواصلة الإصلاحات، قصد تحقيق الأهداف المنشودة. وأوضح تبون أن سياسته ستشكل ''استمرارية'' لما تم إنجازه في القطاع، ولن تعتمد على البدء من الصفر، مع إضافة الإصلاحات اللازمة لتجسيد الأهداف التي سطرتها الدولة. واعتبر الوزير، الذي شكل إحدى مفاجآت التغيير الحكومي، ومعادلة حلها يبدو مستحيلا وليس صعبا فقط، بأن مهمته الرئيسية ستكون ''حربا'' على العجز في السكن و''الفوضى'' في العمران، مشيرا إلى أن الطلب يقدّر ب225 ألف سكن سنويا، في حين لا تتجاوز قدرة الإنجاز الوطنية 75 ألفا، الأمر الذي يحتاج إلى تدبير واستراتيجية خاصة من طرف الدولة للقضاء على هذا المشكل. وأضاف تبون الذي وصف منصبه الجديد بالمسؤولية ''الثقيلة''، بالنظر لحساسية القطاع، بأن الإمكانيات المادية متوفرة للقضاء على هذا المشكل الذي يعدّ ثاني انشغال للمواطن بعد الشغل. ويبدو أن استغناء رئيس الجمهورية عن خدمات نور الدين موسى كوزير للسكن والعمران، واستقدام عبد المجيد تبون مكانه، سيزيد من حمل الوزير الجديد القديم، الذي يشرف على أهم قطاع يدشن فيه الإنجاز بشكل دائم وبحضور الرئيس في مختلف الزيارات، لأن السكن هو واحد من أهم تعهدات الرئيس في عهدته الثالثة. وعلى عبد المجيد تبون أن يزيل الصورة النمطية التي أبقى عليها سابقه، كونه ظل طيلة الفترة السابقة متحكما في ملف السكن على الأقل ظاهريا، خصوصا أن أزمة السكن تفاقمت ولم تحلّ، رغم إنجاز المشاريع وتوزيعها وتهديم البنايات القصديرية والهشة. وتبقى قضية الخليفة تلاحقه، لأن الوزير السابق للسكن والعمران عبد المجيد تبون، مثل أمام محكمة الجنايات بالبليدة في 2007 بصفته شاهدا في قضية الصندوق الرئيسي لبنك الخليفة، ولم يكن وقتها نور الدين موسى وزيرا للسكن بل للسياحة. وأثار حضور الوزير إلى المحكمة، على خلفية ضياع مئات الملايير من أموال دواوين الترقية والتسيير العقاري التي أودعت لدى بنك الخليفة في الفترة الزمنية التي كان فيها الوزير المذكور مسؤولا أولا على قطاع السكن، الكثير من الاهتمام والضجة رغم أنه كان شاهدا فقط؟ ومع هذا، فإن عبد المجيد تبون، الذي لم يعمّر سوى سنة واحدة بوزارة السكن، يبقى أمام ''ورطة'' حقيقية''، تحمّله الكثير من المسؤوليات وتسبّب له صداعا لا مثيل له، خصوصا أنه لم يُشهد له بعد بالجدارة والاستحقاق لتسيير ملف بحجم ملف السكن، وتؤهله للعودة بعد 10 سنوات من الغياب.