شهر الله المُحرَّم هو أوّل شهر من الأشهر الهجرية، وأحد الأربعة الأشهر الحُرُم، قال الله تعالى فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} التوبة:63. بيَّن لنا سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أحكام هذا الشّهر الواردة في كتاب الله تعالى أو في السنّة المطهّرة. شهر المحرّم هو من الشّهور الحُرم الّتي عظّمها الله تعالى وذكرها في كتابه، وشرّفه المولى تعالى من بين سائر الشّهور، فسمّي بشهر الله المحرَّم فأضافه إلى نفسه تشريفًا له، وإشارة إلى أنّه حرّمه بنفسه وليس لأحد من الخلق تحليله. كما بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحريم الله تعالى لهذه الأشهر الحُرُم، ومن بينها شهر المُحَرَّم، لما رواه أبو بَكْرَةَ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ''، أخرجه البخاري ومسلم. ومن أهم أحكام هذا الشهر: تحريم القتال فيه فمن أحكام شهر الله المحرّم تحريم ابتداء القتال فيه، قال ابن كثير رحمه الله: وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشّهر الحرام هل هو منسوخ أو محكم، على قولين: أحدهما، وهو الأشهر أنه منسوخ، لأنّه تعالى قال هنا {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} وأمر بقتال المشركين. والقول الآخر، أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام وأنّه لم ينسخ تحريم الشّهر الحرام لقوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }الآية. وقال: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ}. فضل صيامه بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضل صيام شهر الله المحرم بقوله: ''أفضل الصِّيام بعد رمضان شهر الله المُحرَّم'' أخرجه مسلم. ومدلول الحديث الترغيب في الإكثار من الصّيام فيه، لا صومه كلّه، لقول عائشة رضي الله عنها: ''ما رأيتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استكمل صيام شهر قطٌّ إلاّ رمضان، وما رأيتُه في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان''، أخرجه مسلم. فضل صوم يوم عاشوراء عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرّم، ولهذا اليوم مزية ولصومه فضل قد اختصّه الله تعالى به، وحثّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو اليوم الّذي أنجى الله تعالى فيه موسى عليه السّلام وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرًا، ثمّ صامه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: ''قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الّذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحنُ نصومه تعظيمًا له، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''نحن أولى بموسى منكم، فأمر بصيامه''، أخرجه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: ''فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه..''. أمّا فضل صيام يوم عاشوراء فقد دلّ عليه حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي رواه أبو قتادة رضي الله عنه، وقال فيه: سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: ''أحتسب على الله أن يكفّر السنة الّتي قبله''، أخرجه مسلم. ولو صام المسلم اليوم العاشر لحصل على هذا الأجر العظيم، ولو ضمّ إليه اليوم التاسع لكان أعظم في الأجر، لما رواه ابن عباس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''لإن بقيت، أو لإن عشت، إلى قابل لأصومَنَّ التاسع''.