يبرئ محمد سعدي البومديني في هذا النقاش المفتوح، الرئيس الراحل هواري بومدين من دم العقيد شعباني، ويقول ردا على التصريحات التي نشرتها ''الخبر'' سابقا وأدلى بها شقيق العقيد شعباني، بعد صدور مذكرات الشاذلي بن جديد، التي أثارت العديد من القضايا التاريخية الشائكة، إن المخابرات المصرية وفتحي الذيب قاموا بتوريط العقيد العموري وبتغطية من بوصوف في ما عُرف بمؤامرة العقداء. لقد حز في نفسي تصميم شقيق العقيد شعباني (رحمه الله) على اتهام بومدين في إعدام العقيد شعباني، رغم كل التوضيحات التي جاءت على لسان عدة شخصيات تاريخية، وآخرها توضيحات الرئيس الشاذلي في مذكراته، وبالمناسبة أقول للأخ عبد الرحمان شقيق العقيد شعباني، إن هذا الأخير كان ضحية مساعديه الذين أدخلوه في صراع مباشر مع بن بلة. وكان للمخابرات المصرية، وعلى رأسها فتحي الذيب، دور كبير في إذكاء ذلك الصراع، وهم الذين حذروه من كل من ''شعباني وبومدين على السواء''، وهي الحلقة المفقودة والتي لم يتطرق لها أي باحث أو مهتم بقضية العقيد شعباني، ذلك أن فتحي الذيب هو الذي ورط العقيد العموري وبتغطية من بوصوف في ما عرف بمؤامرة العقداء، وفتحي الذيب هو الوحيد الذي يعلم أن كلا من العموري وشعباني من تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبالتالي أوعز لبن بلة بأن شعباني عنصر من عناصر جمعية العلماء المسلمين داخل المؤسسة العسكرية، وله اتصال مباشر بمحمد خيضر، ويشكل خطرا عليه، خاصة وأن الرئيس بن بلة كان وقتها قد دخل في خصومة مع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ووضع رئيسها الإبراهيمي تحت الإقامة الجبرية، ووضع البعض الآخر في المعتقلات دون محاكمة مثل المرحوم إبراهيم مزهودي (عقيد)...الخ (والقصة معروفة لدى الجميع). إن كل من تناول قضية العقيد شعباني لا يعلم حقيقة الخلاف بين الرئيس بن بلة والعقيد شعباني، ذلك أن الخلاف كان عقائديا صرفا ومموها ''بضباط فرنسا''، والغريب أن العقيد شعباني نفسه كان محاطا ببعض الجزائريين الفارين من الجيش الفرنسي، ولكن برتب بسيطة ورغم ذلك تقبلهم معه ولم يستغن عنهم، أما مجموعة ''التروتسكيين'' الذين تحدث عنهم سي عبد الرحمان، فهم كانوا تحت إمرة وقيادة منظّر وقائد التروتسكيين العالميين، الذي كان مستشارا خاصا للرئيس بن بلة وهو ''بابلو اليوناني''، وقد ناصبوا العداء لبومدين كما ناصبوا العداء لشعباني، فبالنسبة لهم كل من بومدين وشعباني وجهان لعملة واحدة، وهذا ما اتضح بعد تصحيح 19 جوان 1965، وموقف بومدين من ''حربي'' وغيره من التروتسكيين معروف، وبالتالي فبومدين لم يكن ذات يوم ''تروتسكيا''، بل ذكر صراحه بأن من بين أسباب تصحيح 19 جوان 1965 تغلغل التروتسكيين في دواليب الدولة وداخل رئاسة الجمهورية، وكذا المخابرات المصرية. وبالمناسبة أذكّر الأخ عبد الرحمان بأن العقيد شعباني قبل دخوله في صراع مباشر مع بن بلة، كان متواجدا بقسنطينة في إطار التحضير للزواج، وقد تعرف على فتاة قسنطينية والتقى بها في سينما ''ء'' بالمنظر الجميل حاليا (1)، ووعدها بالعودة في أقرب وقت لإتمام إجراءات الخطوبة والزواج، ولكن الأقدار شاءت غير ذلك، ذلك أن العقيد عاد إلى قاعدته بالصحراء وتلقى مكالمة هاتفية من الرئيس بن بلة مباشرة، ولكن العقيد لم يرفع سماعة الهاتف، بل رفعها شخص آخر كان متواجدا معه بالمكتب، وقام هذا الشخص بالرد على بن بلة بكلام بذيء فيه شتم وسب وتهديد، وكان بن بلة يعتقد أن الذي رد عليه هو العقيد شعباني، فسارع إلى اتخاذ إجراءات قاسية ضده، وأن هذا الأخير لم يحاول الاتصال ببن بلة، ليوضح له الموقف، بل تمسك بموقف الشخص الذي رد على بن بلة، وما يذكر هنا أن العقيد شعباني قال للشخص الذي رد على بن بلة: ''وخذتني وعلينا الاستعداد للمواجهة''. هذه الحقائق تجاهلها الأخ عبد الرحمان أو يحاول تجاهلها، ذلك أن الشخص الذي رد على بن بلة هو نفسه الذي أبلغ عن مكان تواجد العقيد شعباني، وهو نفسه الذي يقال إنه أخذ مبلغا ضخما من ميزانية الناحية وفرّ في طريق غير الطريق الذي سلكه شعباني، وظل حيّا يرزق إلى تسعينات القرن الماضي، وهناك مجاهدون ممن يعرفون هذه الحقائق وعايشوها، بل فيهم من حوكم مع العقيد شعباني ومازال حيّا، وواجبهم الديني والوطني قول كل الحقائق، حتى ولو كانت مرّة عليهم وعلى غيرهم، لأن الحقائق ستظهر ذات يوم وبالوثائق الدامغة طال الزمن أم قصر. المهم من كل ما تقدم، أن العقيد شعباني، رحمه الله، سقط في الفخ الذي نُصب له تحت غطاء الوقوف في وجه ''ضباط فرنسا''، مثله مثل العقيد المجاهد القائد الطاهر الزبيري، والأهم من كل ذلك أن العقيد شعباني تمرد فعلا على السلطة في ظروف كانت فيها الجزائر في أمس الحاجة إلى وحدة الصف والاستقرار، مهددة في أمنها وفي حدودها، نتيجة الأطماع المغربية وأطماع ''الأقدام السوداء'' الرافضين لفكرة استقلال الجزائر، والصراعات الداخلية بين الإخوة الأعداء، بين كل من بن بلة، وبوضياف، وآيت أحمد، وجمعية العلماء، وكريم بلقاسم، ومحمد خيضر الذي كانت له علاقة مباشرة وشخصية مع العقيد شعباني، لأنهما من منطقة واحدة، وكان له تأثير كبير عليه، بل هو من بين الذين ورّطوا العقيد شعباني ودفعوه إلى التمرد في وجه بن بلة لأغراضهم الشخصية... الخ. كل هذه الظروف جعلت من تمرد العقيد شعباني القطرة التي أفاضت الكأس، وبالتالي وجبت محاكمته عسكريا بواسطة محكمة ثورية، ولكن هل كان يجب إعدامه؟ الجواب لا و ألف لا، وهذا ما كان يصرح به بومدين دائما إلى آخر أيام حياته، وما يقوله كل وطني مخلص لوطنه ولرجالاته، ولكن لا راد لقضاء الله وقدره، فرحم الله العقيد شعباني ورحم الله بن بلة وبومدين والشاذلي والعموري، وكل الشهداء والأموات الجزائريين من الوطنيين، وغفر الله لهم الأخطاء العمدية وغير العمدية، ولكل ثورة وقود ووقودها هم أبناؤها المخلصون، وهذه هي سنّة التاريخ وكفى المؤمنين قتالا، وإذا عدت يا أخ عبد الرحمان عدنا، وفي الجعبة ما يكفيك ويكفي غيرك من الحاقدين على بومدين، هذا الأخير الذي كان يعلم جيدا أنه سيؤكل يوم أكل الثور الأبيض، وعليه سارع يوم 19 جوان 1965 إلى التصحيح الثوري، وهذا دليل على أن شعباني وبومدين وجهان لعملة واحدة بالنسبة لجماعة ''حربي'' من القمة إلى القاعدة. وأخيرا أتمنى من السيد رئيس الجمهورية أن يعيد الاعتبار للعقيد شعباني، مثلما أعاده لغيره والأقل شأنا منه، وأنا شخصيا أفضله بكثير على محمد خيضر، هذا الأخير كان من مفجري الثورة لكنه ارتكب خطأ جسيما عندما غادر الجزائر عشية الاستقلال وسافر إلى لبنان، وأخذ أموال الثورة الجزائرية المودعة في أحد البنوك هناك، واستعملها استعمالا شخصيا في معارضة نظام بن بلة ثم نظام بومدين، إلى أن اغتيل في ظروف غامضة، ورغم ذلك فقد أعيد له الاعتبار، ومطار بسكرة مثلا يحمل اسمه الآن، وكان الأولى بذلك العقيد شعباني، لأنه لم يخن ولم يختلس، وبالمناسبة لماذا لم يتساءل الأخ عبد الرحمان عن كيفية تنفيذ حكم الإعدام في العقيد شعباني، ولم يتم التنفيذ في حق آيت أحمد، رغم أن الاثنين محكوم عليهما بالإعدام، وإن كنت لا أتمنى إعدام آيت أحمد كما تأسفت لإعدام شعباني. (1) المرجع: با. سليمان الحاج منور، من قسنطينة (مازال حيا).