كانت هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة تعني نشأة أوّل دار إسلام إذ ذاك، على وجه الأرض، وقد كان ذلك إيذانًا بظهور الدولة الإسلامية بإشراف سيّدنا محمّد رسول الثقلين صلّى الله عليه وسلّم. ولذا فقد كان أوّل عمل قام به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن أقام الأسس الهامة لهذه الدولة. ولقد كانت هذه الأسس ممثلة في بناء المسجد والمؤاخاة بين المسلمين عامة والمهاجرين والأنصار خاصة وكتابة وثيقة (دستور) حدّدت نظام حياة المسلمين فيما بينهم وأوضحت علاقاتهم مع غيرهم بصورة عامة واليهود بصورة خاصة.. أجل، إنّ من نظام الإسلام وآدابه أن ينصهر أشتات المسلمين في بوتقة من الوحدة الراسخة يجمعهم عليها حبل الله الذي هو حكمه وشرعه. ولكن ما لم تقُم في أنحاء المجتمع مساجد يجتمع فيها المسلمون على تعلّم حكم الله وشريعته ليتمسّكوا بهما عن معرفة وعلم، فإنّ وحدتهم تؤول إلى شتات، وسرعان ما تفرّقهم عن بعضهم الشّهوات والأهواء. فمِن أجل هذه المعاني كلّها في مجتمع المسلمين ودولتهم الجديدة أسرع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل كلّ شيء، فبادر إلى بناء المسجد بعد أن أكمل بناء شخصيات عمّاره وطهّر نفوسهم من كل الطواغيت. وفيه يقول جلّ علاه: ''لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ علَى التّقوى مِن أوّل يومٍ أحقُّ أن تقوم فيه، فيه رجالٌ يُحِبُّون أنْ يتطهّروا واللهُ يُحِبُّ المطهّرين''. ونهاه وسلوكه تشريع لنا، أن يقوم في مسجد الضرار الّذي اتّخذ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكيدة للإسلام والمسلمين والّذي بناه المنافقون بجوار مسجد قباء إثر نصيحة هرقل ملك الروم إلى حميمه اللّعين أبي عامر الّذي بارز بالعداوة وظاهر بها منذ هزيمة الكفار ببدر المباركة.