جميل أن تطلعنا المخابرات البريطانية على التنازلات الكبيرة التي قدمها الوفد المفاوض للحكومة الفرنسية في إيفيان عام 1962 وجميل أن تطلعنا أيضا أنها تحصلت على هذه المعلومات من سفير مصر في الاتحاد السوفياتي آنذاك. هذا دليل على أن الثورة الجزائرية كانت سجلا تجاريا وورقة مساومة سياسية لكل الأطراف المتصارعة في المجتمع الدولي آنذاك، من الغرب الرأسمالي إلى الشرق الشيوعي مرورا بأشقائنا العرب والمغاربيين... ويدل التقرير الذي أعدته المخابرات الأمريكية بناء على معلومات استقتها من السفير المصري لدى السوفيات في الأخير على الأسباب التي جعلت الثورة التحريرية تدوم ثماني سنوات كاملة، بينما أقدمت بريطانيا وفرنسا على تصفية الاستعمار في بلدان أخرى من تلقاء نفسها. ما يجب أن يعرفه الجزائريون أكثر من كل هذا أن المفاوضين الجزائريين وديبلوماسيي الثورة التحريرية لجأوا إلى انتزاع الاعتراف الإسرائيلي أيضا من أجل دعم حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره. وكان هذا الاعتراف ورقة كبيرة حسمت الصراع في الأممالمتحدة لصالح القضية الجزائرية، بعدما أصبحت كل الصحافة الأمريكية تدافع عن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره. ربما البعض سيتهم أمحمد يزيد وعبد القادر شندرلي رحمهما الله بالخيانة، وهم بذلك يفضلون البقاء تحت الاستعمار الفرنسي مدى الحياة على أن يتصلوا بإسرائيل واللعب داخل منطقة ال18 مترا الفرنسية... كتب التاريخ مليئة بالمحطات التي كان فيها أشقاؤنا يتقاعسون عن مساعدتنا وكيف كانوا يشهرون ورقة الثورة الجزائرية لانتزاع مكاسب معينة من القوى العظمى، ثم التاريخ يعلم أن السوفيات الذين تفاجأوا للتنازلات التي قدمها وفد إيفيان كان صعبا عليهم تصور حكومة جزائرية مؤقتة، ناهيك عن حكومة ذات سيادة كاملة على ترابها... الدولة الجزائرية المستقلة لم تكن موجودة سوى في عقول بعض الوطنيين الجزائريين، منهم هؤلاء الذين قدموا تنازلات وكانوا مستعدين لتنازلات أكبر في إيفيان. ولأن هؤلاء الوطنيين رفضوا أن تكون قضيتنا رهينة مصالح أي كان وقرروا مسك مصير البلاد بين أيديهم وأيدي الجزائريين، يأتينا بعد 50 سنة من الاستقلال من يكشف لنا عن استعدادهم لتنازلات أكبر وأكبر... بصراحة لسنا في مستوى هؤلاء الأبطال ولو علموا بحقيقتنا ما ضحوا من أجلنا.