في الماضي قال الشاعر العربي »ويأتيك بالأخبار من لم تزود« ، فما بالك إذا كنت له مزودا، فإنه يأتيك بأفضل الأخبار وأصحها، وهذا هو حال جبهة التحرير الوطني التي كانت أيام الثورة الجزائرية تزود وتدعم بالمال والعتاد وزارة التسليح والارتباطات العامة، وهي الوزارة التي كان على رأسها العقيد عبد الحفيظ بوصوف خلال الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية (G P R A) من جانفي 1960 إلى أوت 1961 (الحكومة الثانية)، وذلك بعد أن تم إدماج وزارته المسماة وزارة الارتباطات العامة والاتصالات (M L G C) من جهة ووزارة التسليح والتموين العام (M A R G) من جهة أخرى والتي كان على رأسها العقيد محمود الشريف الذي خلف أوعمران على قيادة هذه الهيئة . كانت وزاراة التسليح والإرتباطات العامة ودورها في المفاوضات، موضوع الندوة الفكرية التي نظمها مركز الشعب للدراسات الاستراتيجية يوم 20 فيفري 2010 ونشطها السيد دحو ولد قابلية رئيس جمعية مجاهدي التسليح والارتباطات العامة . أثار السيد دحو ولد قابلية خلال مداخلته نقاطا تاريخية في غاية الأهمية معتبرا أن تاريخ الثورة الجزائرية غير معروف كما ينبغي، من أجل هذا فإن الهدف الذي يجمع بين أعضاء جمعيته هو الرغبة في كتابة التاريخ حول وزارة التسليح M A L G بحكم اطلاعهم على كثير من الأحداث التي شاركوا فيها واحاطتهم بتفاصيلها التاريخية . بدأ السيد دحو ولد قابلية مداخلته بطرح تساؤل كثيرا ما يطرح Question réccurente وهو هل كانت هذه الوزارة التي قادها العقيد بوصوف ذات طابع مدني وسياسي أم كانت ذات طابع عسكري ؟ ثم بين أن الطابع العسكري والطابع السياسي موجودان في هذه الوزارة ، فهي مؤسسة عسكرية من حيث : 1) التركيبة والتنظيم 2) صلاحياتها 3) تأهلها والتكوين كانت هذه الوزارة MALG تشتمل على مجاهدين من جيش التحرير الوطني من كل الولايات العسكرية مثل الطيب فرحات وزكريا... وقد عمل بوصوف من 1955 إلى 1962 على تكوين الأعوان والاطارات التي انتسبوا اليها وكذلك المساعدين وغيرهم، وكان البعض ينعتهم بالمراركة Marocains وهي عبارة غير مقبولة لدى السيد ولد قابلية باعتبار أن المنتسبين للوزارة كانوا جزائريين جميعا ولم يتجاوز عدد »المراركة« سوى 5٪ من عددهم الكلي وهم 900 عنصرا تقريبا ثم تكوينهم من سنة 1956 إلى ,1960 وأن ما فعلته الثورة في سبع سنوات لم تفعله فرنسا في قرن ونصف من حيث التدريب والتكوين وتطوير الأجهزة الاستخباراتية و الاستراتيجيات (العسكرية) والاتصالية في المجال العسكري، ولم يكن بإمكان أحد الانتساب إلى هيئة بوصوف ووزارته دون أن يكون قد تلقى تكوينا قاعديا سواء في كبداني أو العرايش أو ملاڤ... وهناك دفعة تخرجت من ملاڤ تحدث عنها خالد نزار في مذكراته (ص 64) ذهبت مباشرة إلى وزارة التسليح M A L G. كان تكوين اطارات سلك الاشارة Transmissions عملا عظيما قام به بوصوف، وفي أول جويلية 1957 تخرج سبعة وسبعون (77) عنصرا ثم تقسيمهم على ثلاثة أجزاء منهم شريف بلقاسم ومرباح... وكان أصغر عنصر بالدفعة المدعو العروسي قتله الفرنسيون لأنه رفض أن ينفذ ما طلبوا منه حول إصلاح شيء ما، وبعضهم قبض عليه.. و الثاني انضم إلى الولاية الخامسة وكان منهم عبد العزيز بوتفليقة، والجزء الثاني ذهب إلى سلك الاشارة، وكان أول تكوين لسلك الإشارة سنة 1956 تخرج منهم عشرون، وكان الرائد عمر هو المكون وهو المؤسس لهذا السلك مع سي موسى و حسان الخطيب . وكانت الثورة الجزائرية من الثورات التحريرية القليلة التي ابتكرت ما يسمى بالقاعدة الخلفية للثورة وهو ما يفسر وجود مركز بومدين وبوصوف خارج البلاد (المغرب)، وهي تبدأ من وجدة إلى الدارالبيضاء وكانت المعلومات الاستخباراتية يتم الحصول عليها : 1) بواسطة التنصت 2) بواسطة الاستنطاق 3) شبكة مخابرين داخل وخارج البلاد للتعرف على نوايا العدو . وكانت الحواجز المكهربة أكبر عقبة أمام المجاهدين الذين استعانوا بجهات أجنبية لحل المشكلة ولكنهم عبروا لهم عن عدم قدرتهم على مساعدتهم (منهم يوغسلافيا)... مما جعل بوصوف و القادة العسكريين يفكرون في الاتحاد السوفياتي وتوجه بالفعل وفد جزائري إلى موسكو حيث اجتمع بخبراء عسكريين سوفيات يقودهم الجنرال »بوسيار«، وكان ولد قابلية ضمن الوفد الجزائري، وبعد حوالي 14 يوما من النقاشات، قال لهم السوفيات بأنهم قادرين على فعل ذلك أي القضاء على هذه الحواجز بالقوة ولكن يجب أن يقوموا بذلك بأنفسهم وهو أمر غير مطروح لعدم امكانية ذلك، ثم اقترحوا على الجزائريين سياسة بديلة وهي نشر أسلحة المدفعية الثقيلة على جبهة كبيرة (100 كلم وأكثر) ويتم أيضا تحطيم الأسلاك ... ولكن ستكون بالضرورة هناك خسائر بشرية بالتأكيد، ولكن حسب ولد قابلية الخوف لم يكن من الجيش الفرنسي ، ولكن الخوف كان من بورقيبة والسلطات التونسية وبالفعل تم عرقلة الثورة من طرف السلطة التونسية آنذاك بكل لياقة حيث اعترضوا على دخول الأسلحة الثقيلة (الأسلحة الهجومية) إلى التراب التونسي ولكن سمحوا بدخول الأسلحة الخفيفة الدفاعية . وكانت المخابرات المضادة داخل المؤسسة العسكرية بقيادة بوصوف تهدف إلى منع الاختراق. ومن جهة أخرى تأمين الاطارات والوسائل، وكانت الثورة حائزة لجهاز اشارة Poste de Transmission متطور في ذلك الوقت لا تملكه فرنسا وكان حلف شمال الأطلسي O T A N وحده من يملكه وهو A N G A C 9 وعددها (100 جهاز) . هذا بالاضافة إلى جهاز الاذاعة (الارسال) الذي اشتراه رشيد كازا من الأمريكيين ووضع بالناظور، وكان لا يعمل الا لإرسال (المورس) وتم تحويله إلى جهاز ارسال صوتي لمواجهة صوت البلاد Voix du Bled وكانت تبث بثلاث لغات (الأمازيغية والعربية والفرنسية)، وكانت اذاعة صوت العرب من الممنوع على الجزائريين التحدث بها، فالمحرر مصري والمذيع أيضا مصري . أما على المستوى اللوجستي فإن الثورة استطاعت أن تشتري أسلحة من تجار السلاح بعد الصعوبات التي عرفها بن بلة ومحساس ومحمد بوضياف وكانت أول باخرة أسلحة هي Dina »دينا« (طن 120) وباخرة الانتصار في سبتمبر ,1955 وقد نجحت الثورة في تمريريها ووصول الأسلحة إلى المجاهدين وهذا ما دفع السلطات الفرنسية إلى متابعة تجار الأسلحة وقتلهم أو تجنيدهم.. وهذه الاجراءت جعلت الثورة تخسر 2500 طن من الأسلحة، جراء توقيف 7 باخرات، في أعالي المياه الاقليمية . وهو عمل غير قانوني من طرف السلطات الفرنسية . ولكن الثورة بفضل التنظيم والتكوين المهني قام به بوصوف تمكنت من تجاوز تلك العقبات عبر عدة اجراءات قام بها بوصوف في وزارة التسليح والإرتباطات العامة منها عملية التمويه Operation maquillage، وقد تحقق النجاح بخصوص النوعية والسرية والاسعار، وتم تمرير كل بواخر الأسلحة مثل باخرة »أورغون« ouargon . وبعد الاستقلال تم منح الأسلحة التي بقيت باللاذقية (سوريا) إلى الفلسطينيين وإلى حركات تحرر افريقية . واعترفت فرنسا للثورة الجزائرية عبر تقرير »الكولونيل دي بواسو« بابتكار الثورة لأسلوب قتالي وعسكري جديد Style nouveau . وأشار ولد قابلية إلى أن بوصوف أسس هيئة »س 4« S4 وهي هيئة لارسال الأسلحة الخفيفة للولايات . كما أن بوصوف كان لا يعرف عبان رمضان قبل مارس 1957 وقبل زيارة عبان إلى وجدة . وأما بخصوص المفاوضات، فقد ساعدت وزارة التسليح والإرتباطات العامة المفاوضات بمدها بمعلومات بخصوص : 1) قضية البترول ومعرفة ماهو الحد الأقصى الذي من الممكن أن تتنازل عنه فرنسا 2) بخصوص المفاوضات حول الشؤون العسكرية، وهذا ما مكن الجزائريين من النجاح في مفاوضات ايفيان EVIAN . أحمد/ سلوى وزارة التسليح والاتصالات العامة كان لها اسهام كبير في مفاوضات ايفيان أكد، رئيس جمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات العامة السيد دحو ولد قابلية، أمس السبت، بالجزائر أن هذه الهيئة كان لها اسهام كبير في مفاوضات ايفيان خاصة فيما تعلق بمسألة النفط والشؤون العسكرية. وقال، السيد ولد قابلية، خلال ملتقى »الشعب« للدراسات الاستراتيجية حول ''دور وزارة التسليح والاتصالات العامة في المفاوضات'' أن هذه الهيئة ''عكفت على نقطتين رئيسيتين بخصوص المفاوضات التي أدت إلى استقلال الجزائر وهما قضية النفط والشؤون العسكرية''. وأوضح، نفس المتحدث ان وزارة التسليح والاتصالات العامة تكفلت بملف النفط ''لأنها تحصلت على جميع المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع''. وأضاف، قائلا ''كنا على دراية بحدود الطرف الفرنسي في المفاوضات، أي ما كان هذا الاخير يحاول الحصول عليه وما كان ينوي التنازل عنه''. واستطرد، السيد ولد قابلية، أن وزارة التسليح والاتصالات العامة تمكنت خلال مطلع الستينات من الحصول على ملفات هامة تتعلق بوضع النفط في الجزائر، أي جميع قرارات التنازل ووضعية الشركات التي كانت تعمل بالجزائر ورساميلها ونشاطاتها والحقول التي كانت تستغلها وانتاجها. وأضاف أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية استطاعت خلال هذه المفاوضات فرض جميع شروطها المتعلقة بالمحروقات، مؤكدا ان ''الموقف الجزائري كان التأكيد خلال المفاوضات على عدم ابرام اي عقد بالتنازل وإلا سيكون لاغيا وغير معترفا به بعد الاستقلال''. وقال، في نفس السياق، أن الطرف الجزائري كان يطالب، كذلك، بعدم ادخال اي تعديل يمس وضع الشركات المتواجدة بالصحراء (لم تكن باستطاعة هذه الشركات بيع أو شراء اسهم قبل الاستقلال) أو اسعار بيع النفط أو النظام الجبائي. وذكر، نفس المتحدث، أن المفاوضين الجزائريين كانوا متمسكين بالسيادة بجميع الثروات الطبيعية بما فيها الموارد الطبيعية الأرضية والباطنية. وبخصوص الجانب العسكري، أشار السيد ولد قابلية أن الجانب الفرنسي ''اشترط الهدنة قبل كل مفاوضات جدية وكذا التنازل (...) عن القاعدة العسكرية لمرسى الكبير (وهران) وضواحيها لمدة 99 سنة''. كما اشترطت، فرنسا، الحق في استعمال مراكز التجريب لرقان وحمادي واين اكر لفترة 15 سنة والابقاء على قوة عسكرية هامة تناسب عدد السكان الفرنسيين القائمين بالجزائر واستعمال المطارات المدنية العديدة بالشمال الجزائري من طرف الطيران العسكري الفرنسي لمدة ثلاث سنوات بين تاريخ وقف اطلاق النار وتاريخ الاستفتاء حول تقرير المصير وادماج الحركى في القوات المحلية للتدخل، حسب قوله. من جهة أخرى، طالب الطرف الفرنسي، أيضا، بوضع الأسلحة من طرف جيش التحرير الوطني بمجرد الاعلان عن وقف اطلاق النار بين أيادي الجيش الفرنسي وتجمع المحاربين بالمناطق التي ستعين لهم، اضافة الى الابقاء على النظام الدفاعي الموضوع على مستوى الحدود لمنع دخول وحدات جيش التحرير الوطني الموجودة في القواعد الخلفية. في نفس الاتجاه، صرح السيد ولد قابلية أن المفاوضات التي جرت من 10 و21 فيفري 1962 أفضت الى رفض الجانب الجزائري لوضع الأسلحة ورفض التنازل عن القاعدة العسكرية لمرسى الكبير لمدة 99 سنة والتي خفضت الى 15 سنة وتقليص حق الاستعمال غير العسكري هذه المرة لمركز التجارب لرقان من 15 الى 5 سنوات. ويذكر أن رئيس جمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات العامة ذكر في مداخلته بمسار هذه المؤسسة ''التي سيرها بحكمة'' عبد الحفيظ بوصوف، اضافة الى عمله على مستوى الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، لا سيما دوره في وضع ''استراتيجية متناسقة'' في مجالات المخابرات والتسلح. (و،أ،ج)