مطالب بإعدام الخاطفين واستحداث جهاز أمني لحماية الأطفال أربك مقتل الطفلة شيماء يوسفي، ذات الثماني سنوات، على يد مجهولين، الأمهات العاملات والماكثات في البيوت، وأصبحن يرتجفن خوفا من تكرار مثل هذه الحوادث مع أبنائهن الذين يتركونهم عند الحاضنات أو عند الجيران، خاصة أن هذه الحادثة هزت المجتمع الجزائري برمته من هول بشاعتها، خاصة العاملات اللواتي يقضين ساعات طويلة في عملهن، دون معرفة أي شيء عن أطفالهن خاصة في هذه السن المبكرة. شيّعت أمس وسط غضب سكان زرالدة التعرف على هويّة مشتبه فيه بقتل الطفلة شيماء ووري جثمان الطفلة شيماء يوسفي، ظهر أمس، إلى مثواها الأخير بمقبرة سيدي عبد الله ببلدية معالمة في زرالدة، في جوّ جنائزي مهيب، حضرته السلطات المحلية ومسؤولون بقيادة الدرك الوطني، وسط تعزيزات أمنية مشددة. نقل جثمان شيماء إلى منزلها لتمكين عائلتها وجيرانها من إلقاء النظرة الأخيرة عليها، حيث لم تتجاوز المدة ربع ساعة من الزمن، ما دفع المعزين إلى التوافد بالمئات إلى المقبرة، لتقديم واجب العزاء لوالد شيماء الذي كان منهارا من شدة الصدمة. ووصف سكان معالمة الذين لم يخفوا غضبهم وسخطهم لما حدث، الجريمة ب''العمل الجبان والغادر''، حيث كانت أحاديثهم عبارة عن تساؤلات عن الذنب الذي ارتكبته شيماء لكي تلقى هذا المصير المأساوي. وقال خال الضحية ل''الخبر'' إنه كان في انتظارها في العطلة الدراسية لتحل ضيفة عليهم، ''لكن شاءت الأقدار أن آتي إليها أنا لأدفنها''، مضيفا أنه تأثر كثيرا بوقوف سكان المنطقة إلى جانب العائلة المكلومة في مصيبتها. وحسب رئيس الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني بزرالدة، النقيب براهيمي صالح، فإنه تم تحديد هوية شخص مشتبه بضلوعه في الجريمة والذي يوجد في حالة فرار ويجري البحث عنه وعن أطراف آخرين، مضيفا أن الشخص المشبوه، يسكن منطقة زرالدة وعمره يتراوح ما بين ال25 و35 سنة، وهو غير مسبوق قضائيا. كما أفادت مصادرنا، بأن التحقيقات التي باشرها معهد الإجرام للدرك ببوشاوي، لا تزال متواصلة، من أجل تحديد هوية أطراف آخرين يمكن أن يكونوا قد تورّطوا في هذه الجريمة. رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني ل''الخبر'' ''المؤبد وأكثر من 25 سنة لردع المعتدين'' نطالب باستحداث جهاز أمني متخصص لمرافقة وحماية الأطفال دعا رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، إلى استحداث جهاز أمني خاص لحماية الأطفال من عمليات الاختطاف الشرسة التي ينفذها مجرمون في حقهم، مؤكدا، في حديث قصير مع ''الخبر''، على أهمية تقاسم المسؤولية بين الأسرة والجهات الأمنية لحماية هذه الفئة. تعرضت الطفلة شيماء إلى عملية اغتيال وحشية بعد اختطافها من منزلها، كلجنة حقوقية، ما هي الإجراءات التي ترونها مناسبة لردع هؤلاء المجرمين؟ يجب وضع تدابير ينبغي للجهات المعنية الالتزام بها، من خلال استحداث أساليب لوقاية الأطفال من التعرض للاختطاف أو لمخاطر الاعتداءات، من خلال فرض الأمن في الشوارع والأماكن العامة والأحياء السكنية، مع انتهاج الصرامة في تطبيق الأحكام على المجرمين. وأؤكد أن الشفقة لا ينبغي أن يعامل بها المجرم، كما لا ينبغي أن يستفيد من ظروف التخفيف خلال صدور الحكم نظرا لبشاعة الجرم. ما هي أقصى عقوبة ترون أنها قادرة على ردع المجرمين وحماية الأطفال؟ العقوبة في مثل هذه الجنايات هي السجن النافذ لمدة خمس سنوات على الأقل.. لكننا ومن منطلق فظاعة الجرم والضرر النفسي الكبير الذي يلحق بأهالي الضحايا، نطالب بتشديد العقوبة إلى حدود 20 و25 سنة، أو المؤبد في حق ''قتلة الأطفال''. لا يجب في نقطة حساسة مثل هذه أن نتساهل، ولابد من انتهاج الصرامة القصوى في المحاكمة. بخلاف الإجراءات العقابية ضد منفذي مثل هذه الجرائم، ما نوع الاحتياطات الواجب اتخاذها لتحصين المجتمع من هذه الجرائم؟ ينبغي استحداث جهاز أمني خاص لمرافقة الأطفال أمام المدارس ودور الحضانة والحرص على سلامتهم في الشارع، يجب الشروع في التفكير في هذا الاتجاه لقطع الطريق أمام المجرمين، يجب تكوين فريق أمني متخصص في التعامل مع اختطاف الأطفال، وقادر على حمايتهم، في إطار البرامج الحقوقية العالمية الموجودة التي تحتوي على تدابير خاصة لحماية الأطفال والقصّر بصفة خاصة والتي تتفق على هذه النقطة وتعتبرها ''مقدسة''. هل يعني هذا أن جهازي الأمن والدرك مطالبان ببذل مجهودات إضافية؟ مصالح الأمن والدرك عندهم مهمات بالغة في الدقة، تتعلق بأمن الدولة ومكافحة الخلايا الإرهابية، وهي الأمور التي تشغلهم كثيرا ولا ينبغي أن نلومهم، لأن المهمة واسعة جدا ومعقدة، بعد تنامي الجريمة المنظمة عبر كامل التراب الوطني بما فيها الأرياف، وامتدادها في المجتمع، حيث أصبحت هذه الآفات ضمن انشغال الدولة الحالي. وبالنظر إلى التطور الذي عرفته الأجهزة الأمنية، دعونا نكن متفائلين باحتواء مظاهر الجريمة. من يتحمل مسؤولية ما يتعرض له الأطفال الأبرياء؟ المسؤولية يتقاسمها الجميع، هم أطفالنا كلنا وينبغي على الدولة والأسرة والمجتمع بكافة مكوناته، تكثيف العمل في اتجاه الحفاظ على أمن الأطفال وسلامتهم من الاعتداءات الوحشية. ونؤكد على الصرامة في تطبيق العدالة والوقاية على مستوى المدارس والشوارع والمنازل أيضا. ومن جهتنا، فإن التقارير السنوية التي نسلمها لرئيس الجمهورية، تضم حالات عديدة من الاعتداءات على الأطفال، حيث تهتم الجهات المعنية حاليا باتخاذ التدابير اللازمة لتفادي تكرار وقوعها. ماذا عن دور العائلات؟ بطبيعة الحال، العائلات مطالبة بالحرص على أمن أطفالها واليقظة التامة في ظل هذه الظروف، ونحن كحقوقيين ندعمهم. وينبغي علينا شرح الوضع وتوعية الأمهات بالتدابير الأمنية اللازمة في مثل هذه الحالات، على غرار مرافقة الأبناء من وإلى المدارس وعدم السماح لهم بالخروج بمفردهم إلى الشارع ومراقبتهم بصفة دائمة من أجل المساهمة في تفادي مثل هذه الحوادث وتعلم كيفية التعايش مع هذا الخوف الطبيعي والشرعي على الأبناء. حاورته: مريم شرايطية قانونيون يطالبون بصرامة القانون ضد الخاطفين يعيش الأولياء على الأعصاب بعد الحادث التراجيدي الذي عاشته عائلة يوسفي، حيث يرفض الكثيرون ترك أطفالهم يلعبون بالقرب من مقر سكناهم، خوفا من أن تطالهم يد المختطفين ويلقون نفس مصير الطفلة شيماء التي مازال التحقيق بشأنها متواصلا لمعرفة الفاعل أو الفاعلين ودوافع الاختطاف. لم تعد جريمة اختطاف الأطفال ترتبط بطلب فدية من عائلة الضحية، وإنما تعدتها إلى جرائم أخرى أكثر فظاعة، تكون نهايتها في الغالب الاغتصاب، وسرقة الأعضاء وأخيرا القتل، وهو ما ضاعف من قلق الأولياء الذين أضحوا يصطحبون صغارهم إلى المدرسة. غير أن الاختطاف أخذ بعدا آخر في المجتمع، لأن المختطفين أصبحوا يترصدون الأطفال بالقرب من منازلهم، ولنا أن نتذكر في هذا المقام قصة الطفل ياسر بن عمران، الذي مازال اختفاؤه يطرح الكثير من التساؤلات منذ جوان، الذي اختطف من أمام منزل جده بحي فايزي ببرج البحري في العاصمة، عندما ذهبت والدته لأداء واجب العزاء لوالدها إثر وفاة عمها. تكرار مسلسل اختطاف الأطفال في الجزائر، جعل المختصين وحقوقيين في مجال حقوق الطفل يدقون ناقوس الخطر، خاصة أنها أخذت بعدا دوليا، بعد أن ثبث تورّط شبكات في المتاجرة بالأعضاء وتهريبها للخارج. وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الطفل وحمايتها وعضو الاتحاد الإفريقي للقانون الدولي، الدكتور كمال فيلالي، في تصريح ل''الخبر''، إن الظاهرة أصبحت تشكل خطرا على المجتمع الجزائري، وتتطلب اتخاذ إجراءات خاصة وصارمة، لأنها جريمة دولية، لارتباطها بتجارة الأعضاء، مؤكدا أنه لا توجد أرقام دقيقة بخصوص عدد الأطفال ضحايا الاختطاف في الجزائر، داعيا إلى ضرورة وضع بطاقة تقنية وطنية لكل من ارتكب جريمة ضد الأطفال سابقا، مع تعديل قانون العقوبات من أجل تشديد العقوبة ضد الخاطفين. كما حثّ الدكتور كمال فيلالي الأولياء والأساتذة في المدارس، على تجنيد الأطفال لتفادي وقوعهم في أيدي المختطفين، ومدهم بالنصائح حول عدم اصطحابهم والحديث مع أشخاص لا يعرفونهم مثلا، إلى جانب تصنيف هذا النوع من الجرائم ضمن أولويات تكافحها الدولة، وتجهيز أجهزة الأمن بشريا وماديا من أجل إجراء بحوث وقائية قبل وقوع الجريمة. من جانبها، قالت المحامية والحقوقية حسيبة بومرداسي، إن العدالة يجب أن تكون صارمة في التعامل مع هذا النوع من الجرائم، من خلال تشديد العقوبة ضد الفاعلين، مرجعة أسباب تفشي ظاهرة الاختطاف إلى تطور المجتمع الجزائري، وتغير سلّم القيم فيه، بسبب الانفتاح على الخارج. مسيرة للتنديد بالجرائم ضد الأطفال أما المحامية والمكلفة بالدراسات لشبكة ''ندى'' للدفاع عن حقوق الطفل، مليكة شيخة، فطالبت بتنظيم مسيرة سلمية يشارك فيها أولياء وضحايا أطفال الاختطاف والمجتمع المدني. كما أكدت أن عدم مبالاة القضاة زاد من انتشار الظاهرة، باعتبار أن لهم السلطة التقديرية في معاقبة الخاطفين، وقد لا تكون العقوبة في صالح الضحية، لذلك، تضيف المحامية، أنه لابد من تسليط أقصى العقوبة. وهي نفس وجهة نظر المحامي عمار خبابة، الذي دعا إلى تطبيق عقوبة الإعدام ضد خاطفي الأطفال، باعتبار أن هذا النوع من الجرائم يمسّ بسكينة المجتمع، ولأنه ليس هناك تعويض آخر يعوض الأهل والمجتمع غير القصاص من المتهم. ويذكّر خبابة، في هذا الإطار، بحادثة اختطاف ابن محافظ البنك المركزي الجزائري في السبعينيات، وتنفيذ حكم الإعدام ضد قاتله، مع توجيه نداء لكل من يريد حضور حكم الإعدام، لدرجة أن الدولة وضعت القطار كوسيلة نقل لكل الراغبين في ذلك، ومنذ ذلك الحين، يواصل خبابة، لم نسمع بظاهرة الاختطاف إلا مؤخرا. من جهة أخرى، أوضح خبابة بأن الكثير من المحامين لا يتأسسون في مثل هذه القضايا، وفي هذه الحالة تتدخل نقابة المحامين لتأسيس محامٍ تلقائي عن طريق المساعدة القضائية، غير أن الروح التضامنية مع ضحايا الجرائم، يقول محدثنا، أصبحت مفقودة اليوم، وهناك بعض المحامين يتأسسون في حق الفاعل، ويطلبون أتعابا خيالية. الجزائر: رزيقة أدرغال الأخصائي النفساني عبد العزيز حدار ''ا لشعور بالأمان تحدٍّ تواجهه الجهات الأمنية'' أكد الدكتور في علم النفس، عبد العزيز حدار، على وجود طرفين أساسيين في كل جريمة، المخطط والمنفذ، حيث يكون الطرفان منفصلين في بعض الأحيان أو ممثلين في شخص واحد حسب نوع الجريمة. ومع انتشار الجريمة المنظمة، فإن الطرف المخطط، غالبا ما يحدد أهدافه بدقة ووضوح، وبعد دراسة وافية لمحيط الأسرة بالنسبة للمستهدفين، حيث يعرف عن ما يبحث، خاصة إذا تعلق الأمر بسرقة الأعضاء. أما الطرف المنفذ، فيكون، حسب حدار، من الأشخاص العاطلين عن العمل أو المدمنين الذين يستغلون من طرف أشخاص أقوى منهم، إذ تثبت الدراسات النفسية أن ''الشخص المرتكب لجريمة الاغتيال لا يكون في وعي تام''، وذلك بسبب إحدى عوامل المرض النفسي أو المخدر، مضيفا أن طريقة اختيار الضحية من أسرة فقيرة وأب بسيط ومن خارج العاصمة، يكشف عن ذكاء ومكر الجاني، الذي تفادى ردة الفعل. وأشار الدكتور حدار، إلى أن المجرم يكون قد قام بعملية تحضير واسعة، قبل تنفيذ الجريمة. وعن الطريقة التي يستعيد بها الفرد الطمأنينة والهدوء، فإن حدار يؤكد أن ذلك ممكن في حالة واحدة فقط وهي القبض على المجرم، وهو تحدٍّ هام يطرح على مصالح الأمن التي يعتبر تمكنها من فك لغز الجريمة في وقت قصير، عنصرا أساسيا لاسترجاع طمأنينة العائلات، مع الاتصال بالعائلة وتقديم ضمانات للقيام بتحريات جدية والوصول إلى المجرم في أقرب وقت، كي لا يشعر المواطن بأنه بات مهددا في حياته.