أصبحت عمليات اختطاف الأطفال التي انتشرت مؤخرا, هاجسا يطارد الكثير من الأولياء؛ خوفا على أبنائهم من أن يتعرضوا لسوء في أي مكان يتواجدون فيه بمفردهم. وقد عرفت هذه الظاهرة ارتفاعا ملحوظا, حسب الإحصائيات التي سجلتها مصالح الدرك والأمن الوطنيين في الفترة الممتدة ما بين نهاية سنة 2010 ونهاية سنة2011, والمقدّرة ب 680 عملية اختطاف عبر مختلف ولايات الوطن, أغلبها كانت بهدف طلب الفدية أو الاعتداء الجنسي. انتشرت ظاهرة الاختطاف المصحوبة بالاعتداء الجنسي أو القتل بشكل كبير, في مجتمع أصبح يعرف وتيرة عنف وجرائم أخلاقية في حق أطفال, يتم استغلالهم بطريقة بشعة من طرف أشخاص لا يعرفون الرحمة لا على الصغير ولا الكبير, أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا أمام مرأى مجرمين. وقد زرعت هذه الظاهرة الرعب بين العديد من العائلات, التي أصبحت تخاف على أطفالها من هذه الجرائم. عائلات تروي تفاصيل اختطاف أطفالها بألم ولمعرفة مدى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع تحدثنا إلى بعض العائلات التي عانت جراء اختطاف أطفالها, ومنها عائلة رويزي الساكنة بأحد أحياء بودواو, والتي روت لنا مأساة خطف ابنها الذي لم يتجاوز السبع سنوات, حيث تقول أمه: «تم اختطاف ابني منذ ثمانية أشهر, بعد أن تركتُه برفقة ابنة أختي الصغيرة بالبيت في عطلة نهاية الأسبوع, وذهبت إلى الطبيب, فطلبت منه أن يشتري لها بطاقة تعبئة من التاكسي فون, ولما شعرت أنه تأخر كثيرا ذهبت لتبحث عنه ولم تجده فاتصلت بي,وهي تبكي فأصابني الفزع وأحسست أن ابني أصيب بمكروه فبلغنا الشرطة,ولكن لم يتم العثور عليه إلا بعد مرور 20 يوما من اختفائه, ووجد مقتولا بطريقة بشعة في غابة قريبة من حينا في كيس بلاستيكي وحسب تقارير الطب الشرعي فقد وجدت على جثته آثار خياطة موجودة في مكان كلية واتضح أن الغرض من الخطف هو سرقة أعضاء ابني وتم القبض على المجرم الذي لا يملك أي رحمة لأنه حرمني من أعز ما أملك» يختار المجرم مكان ترصده للضحية دون مشاعر ولا ضمير رغم أنها طفل صغير بريء لا يعرف حتى كيف يكذب,فهناك من الأطفال من اختطفوا من أمام المؤسسات التربوية وعائلة سعيدي هي الأخرى تعيش صدمة اختطاف ابنتها التي لا تتعدى الست سنوات في واد السمار إلى يومنا هذا حيث تقول أمها:»اختطفت ابنتي منذ ثلاثة أشهر من أمام مدرستها,فعند انتهاء دوام الدراسة على الساعة الرابعة والنصف تأخرت عن موعد عودتها إلى المنزل بساعة فذهبت لأبحث عنها ولم أجدها فبلغت الشرطة وبعد مرور أسبوع على الخطف,وجدت الشرطة ابنتي مقتولة في بيت مهجور وتم القبض على المتهم الذي كان يقطن في حي قريب من بيتنا واتضح من الطبيب الشرعي أن المجرم اعتدى عليها جنسيا قبل موتها» أما عائلة دحماني الساكنة ببرج الكيفان هي الأخرى اختطف ابنها الذي يبلغ من العمر خمس سنوات من أمام منزلهم حيث روت أمه هذه المأساة بحرقة قائلة:»اختطف ابني الوحيد منذ أربعة أشهر عندما كان يلعب في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر,وعندما نظرت من النافذة بعد مرور نصف ساعة لم أجده فبلغنا الشرطة ولم يجدوه إلا بعد مرور15 يوما مقتولا بطريقة بشعة وأثبتت تقارير الطب الشرعي والتحقيقات أن ابني تعرض إلى الاعتداء الجنسي والجاني كان يسكن في نفس الحي الذي نعيش فيه واعترف أنه كان يعطي لابني الحلوى ليتعود عليه ثم قام باصطحابه إلى مكان بعيد وقام بجريمته وأنا حتى الآن لا أصدق ما جرى لابني وأعيش في حالة نفسية سيئة» ومن جهة أخرى هناك من فجعت باختطاف مولودها من داخل المستشفى في غياب المراقبة حيث تقول السيدة فطيمة شلالي:»اختطف طفلي منذ خمسة أشهر من المستشفى فأنا كنت نائمة بعد الولادة وفي اليوم التالي لم أجده بجانبي فسألت الممرضة عنه فقالت لي لا أعرف في الليل تركته أمامك وبحثوا عنه في جميع الأماكن ولم يتم العثور عليه حتى الآن وأنا أعاني من حالة نفسية سيئة ولا أستطيع العيش بدونه وقمنا بتبليغ الشرطة ولكن لم يتم العثور عليه وهناك قابلة مشتبه فيها اختفت بعد عملية الاختطاف ولم تجدها مصالح الأمن» أما السيدة ليلى شيباني فتقول:»ذهبت مع ابنة أختي الصغيرة إلى المستشفى لمعالجة ابني الصغير وبمجرد أني دخلت إلى الطبيب,تركت طفلي الذي يبلغ من العمر عشرة أشهر مع ابنة أختي الصغيرة وطلبت منها رعايته حتى تتم معاينة أخيه فاستغلت إحدى السيدات الموقف وطلبت من ابنة أختي أن تشتري لها من الدكان منديلا وتركت عندها الطفل وعندما عادت لم تجد المرأة,ولما خرجت وجدتها تبكي فصدمت وأصبحت أبحث في كل مكان عنها,ولكن لم أجدها وعندما بلغت الشرطة وأعطينا أوصافها تم العثور عليها بعد خمسة أيام» مصالح الأمن عالجت 80 قضية خطف وقامت بإفشال 24 محاولة خطف خلال سنة2011» تقول السيدة سميرة صحراوي ضابطة شرطة بالمديرية العامة للأمن الوطني بالشراقة:»أنه تم تسجيل أكثر من 600 قضية اختطاف أطفال قصر تتراوح أعمارهم ما بين أربع سنوات و 16 سنة عبر مختلف مناطق الوطن,وتمت معالجة 80 قضية خطف ,وإفشال حوالي 40 محاولة خطف بواسطة بلاغات المواطنين عن حركات أشخاص مشبوهين برفقة أطفال قصر,وتنتشر بكثرة عمليات الخطف في المناطق الريفية النائية وأمام المؤسسات التربوية والجاني يختار فريسته بدقة شديدة كما يختار الوقت والمكان المناسبين,ويقوم باستدراج الضحية إلى منطقة بعيدة بطريقته الخاصة حتى يبتعد عن مرأى الناس ويقوم بجريمته البشعة,وأغلب الضحايا يتم التخلص منهم بالقتل بعد الاعتداء عليهم جنسيا لمحو أثار الجريمة,و عمليات الخطف يكون سببها إما الاعتداء الجنسي أو طلب الفدية من عائلات غنية,ويحتفظ المجرم بالطفل كرهينة عنده حتى الحصول على مبالغ ضخمة بعد أن يقوم بابتزاز أولياء الضحايا,وهناك حالات من الاختطاف انتهت بدفع الفدية بطرق مجهولة دون علم مصالح الأمن لفائدة شبكات اختطاف مقابل إطلاق سراح الضحايا بالإضافة انه تم مؤخرا إلقاء القبض على عصابة في البليدة متخصصة في خطف الأطفال والمتاجرة بأعضائهم وبيعها بعد ذلك لعائلات غنية أحد أفرادها بحاجة لزرع,وتضيف نفس المتحدثة أن أغلب عمليات الاختطاف حسب التحقيقات سجلت لأطفال إما كانوا بمفردهم في أماكن خالية أو في ساعات متأخرة من الليل «هناك حالات لاختطاف مفتعل ناتج عن هروب الأطفال وخاصة المراهقين نتيجة ضغوط نفسية واجتماعية داخل الأسرة ويعتقد الأولياء بأنه تم خطفهم ويتم تبليغنا وعند العثور عليهم يفتعلون سيناريوهات الاختطاف من طرف أشخاص مجهولين»وتضيف»إن مجتمعنا أصبحت تجتاحه أزمة أخلاقية,وهذا ما تسجله مصالح الأمن من قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال,و التي لم يسلم منها الذكور والإناث على حد سواء وعادة ما تنتهي بجريمة قتل الضحية والتخلص منها في مكان بعيد وكثيرا ما يتم العثور على الجثة إما في الآبار أو الأماكن المهجورة والغابات وأغلبية مرتكبي جرائم الخطف ضد أطفال ينتمون تقريبا لنفس المحيط الاجتماعي للضحايا,حيث يقومون بالتخلص منهم خوفا من التبليغ عنهم وهذا ما يفسر تصاعد وتيرة العنف في المجتمع,وهنا يكمن دور الأولياء الذين يجب عليهم التحلي باليقظة والانتباه اتجاه أطفالهم ومراقبتهم بهدف تجنب وتفادي الخطر المحدق بهم بالإضافة إلى دور المجتمع بأكمله والذي يمكنه مساعدة مصالح الأمن في إفشال محاولة الخطف فمسؤولية المواطن الأولى أيا كان دوره في المجتمع اتجاه أي آفة هي التبليغ حتى في حالة مجرد الشك في شخص غريب يحوم حول المدرسة أو في أي مكان لتفادي جريمة الخطف» رأي القانون في جريمة الاختطاف والقضايا المتداولة في المحاكم: يقول الأستاذ محمد .ب محامي لدى مجلس قضاء الجزائر:»إن قضايا الاختطاف المصحوبة بالاعتداء الجنسي أو القتل عرفت انتشارا كبيرا في المحاكم,وتكون جريمة الاختطاف في أغلب الأحيان نتيجة الابتزاز المالي أو تصفية حسابات عائلية أو الغرض منها الانتقام من عائلة الضحية,وتختلف أسباب الخطف من قضية إلى أخرى فهناك قضية خطف كان الغرض منها الانتقام,وقد قامت عمة الضحية بالانتقام من أخوها الذي كانت بينهما خلافات كثيرة بخصوص الميراث فأرادت أن تنتقم منه بحرمانه من ابنه الوحيد الذي قامت باختطافه وإخفائه في بيتها ووضعت شريطا لاصقا على فمه حتى لا يصرخ ولأنه كان يعاني من مشاكل صحية أصيب الطفل بنوبة قلبية فقامت بالتخلص منه في كيس بلاستيكي ولكن زوجها لم يتستر على الجريمة وأبلغ الشرطة وقامت المحكمة بمعاقبتها بتهمتي الخطف والقتل معا وحكم عليها بالسجن 20 سنة» قضية أخرى لا تختلف عن سابقتها كان الغرض منها أيضا الانتقام وقعت منذ ستة أشهر هي لشاب يبلغ من العمر27 سنة وهو ابن عم الضحية التي تبلغ من العمر خمس سنوات وتجري وقائعها عندما قام الشاب باختطاف الطفلة للانتقام من عمه الذي حرم عائلته من الحصول على أراضي زراعية في منطقة الرويبة وقام بقتلها والتخلص منها برميها في بئر والقي عليه القبض وصدر في حقه حكم بالسجن المؤبد». ومن قضايا الاعتداء الجنسي حدثنا المحامي عن جريمة وقعت في حي باش جراح منذ سبعة أشهر حيث قام طالب جامعي شاذ جنسيا كان يسكن بنفس حي الضحية باستدراج طفل لا يتعدى من العمر ست سنوات إلى بيته الذي استأجره وقام بالاعتداء عليه جنسيا ثم قتله ورماه في حقيبة أمام النفايات وحسب تقرير الطبيب الشرعي فإن الضحية تعرض لشرخ في الجمجمة قبل موته وهذا ما يدل على أنه وقع على شيء ما وتم القبض على الجاني وحكم عليه بالمؤبد». ويضيف الأستاذ أن هناك قضية أخرى يستغرب لها العقل وقعت في تيبازةمنذ حوالي تسعة أشهر وهي لشخص يبلغ من العمر 40سنة كان ينشط في الاحتيال على المواطنين بطقوس السحر وهو يقيم بإحدى الأحياء القريبة من بيت الضحية قام بخطف طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات واعتدى عليها جنسيا ثم قام باستئصال أعضائها ليعطيها لإحدى زبائنه ليسحر بها وقام بالتخلص من جثتها في إحدى البيوت المهجورة وقد كشف أمره بواسطة جيرانه الذين قاموا بإبلاغ الشرطة وحكم عليه بالمؤبد» وفي قضية خطف أخرى هي لقابلة تقطن ببني مسوس كانت تخطف الأطفال من المستشفى وتعطيهم لعائلات غنية محرومة من الإنجاب مقابل المال والتي تم إلقاء القبض عليها منذ ثمانية أشهر وحكم عليها بخمس سنوات سجن». وعن القوانين الخاصة بجريمة الخطف يقول الأستاذ:» لقد وضعت ترسانة قانونية ضخمة للحد من جريمة الخطف التي تلحق بمرتكبها أقصى العقوبات حيث تعاقب المادة 269 من قانون العقوبات الشخص الذي ارتكب فعل الجرح أو الضرب ضد قاصر لم يتجاوز16 سنة من سنة إلى خمس سنوات سجنا وإذا ما فقد الطفل أحد أعضائه فقد تصل عقوبة الجاني الى20سنة أما المادة 362 تعاقب مختطفي الأطفال من سنة إلى خمس سنوات سجنا في حالة ما إذا لم يعتدي على الطفل أما إذا تعرض الطفل إلى عنف جسدي أو جنسي فقد تصل العقوبة الى20 سنة سجنا أما إذا قتل الطفل فإنها تصل إلى المؤبد أو الإعدام» أما المادة 293من نفس القانون فتتضمن أنه كل من يخطف شخص مهما بلغ سنه مرتكبا في ذلك عنفا أو تهديدا يعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى عشرون سنة,ويعاقب بالإعدام إذا تعرض الشخص المخطوف إلى تعذيب جسدي وإذا كان الدافع إلى الخطف هو تسديد فدية يعاقب الجاني بالسجن المؤبد,أو الإعدام أيضا». الحالة النفسية للأم والطفل الضحية بعد الاختطاف: تقول الدكتورة نبيلة صابونجي مختصة في علم النفس الاجتماعي:»إن ظاهرة اختطاف الأطفال من الظواهر التي انتشرت بكثرة في الساحة الاجتماعية لأسباب اجتماعية ونفسية فإذا كان الغرض من الاختطاف تحقيق رغبة جنسية وهي اغتصاب هذا الطفل فالخاطف هنا مصاب باضطرابات نفسية معقدة على مستوى بنائه النفسي والعقلي وهو مريض نفسي قد يكون قد تعرض في طفولته إلى مثل تلك العملية أي حاولوا اغتصابه فتنشأ لديه عقدة فيمارس عقدته على شخص ضعيف,وبهذا ينتقم من أي طفل يجده أمامه,وهو ما نسميه في علم النفس بالتقمص المعتدي أي أنه يمارس جنس العمل الذي مورس عليه أما إذا قام المجرم بعملية الاختطاف بسبب رغبته في الحصول على المال فيكون الاختطاف هنا ذو صبغة اجتماعية سيئة تتعلق بالظروف الاجتماعية التي يعيشها المختطف كالفقر والبطالة وعلى العموم مهما كان الدافع وراء اختطاف القصر والأطفال فهو فعل شنيع,وتداعياته على مستوى نفسي واجتماعي وأخلاقي كبير جدا ويجب التكفل النفسي بأم الطفل المختطف لأنها تكون في حالة نفسية سيئة وتصاب بحالة حزن شديد واكتئاب وانهيار عصبي وهناك بعض الحالات التي تصاب بالجنون خاصة إذا فقدت ابنها للأبد عندما لا يتم العثور عليه لفترة طويلة,أو يقتل ويجب أيضا معالجة الطفل بعد الاختطاف لأنه يمكن أن يصاب بمرض الخوف الهستيري والعزلة ويصبح يخاف من أي شيء,ويمكن أن يصاب بعقدة خاصة إذا اعتدى عله الخاطف جنسيا».