اعلم أنّه لا خلاف في كون ولادة الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم بجوف مكة المكرّمة وأنّ مولده كان يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل على أرجح الرّوايات وذلك عام الفيل، أي العام الذي حاول فيه أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة، فردّه الله عن ذلك بالآية الباهرة الّتي وصفها القرآن في سورة الفيل. وكان أمر الفيل تقدمة قدّمها الله لنبيّه وبيته، وإلاّ فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب، وكان دينهم خيرًا من دين أهل مكة إذ ذاك، لأنّهم كانوا عباد أوثان، فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرًا لا صنع للبشرية فيه، إرهاصًا وتقدمة للنّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم الّذي خرج من مكة وتعظيمًا للبيت الحرام. وممّا يُروَى أنّ آمنة بنت وهب أمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كانت تحدث أنّها أُتيت حين حملت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقيل لها: إنّك قد حملت بسيّد هذه الأمّة فإذا وقع إلى الأرض، فقولي: ''أعيذه بالواحد، من شرّ كلّ حاسد'' ثمّ سمّيه محمّدًا''. ورأت حين حملت به أنّه خرج منها نور رأت به قصور بُصْرَى من أرض الشّام. وعن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: ''والله إنّي لغلام يفقَه، ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كلّ ما سمعتُ إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: ''يا معشر يهود! حتّى إذا قالوا له: ويلك، مالك؟ قال: ''طلع اللّيلة نجم أحمد الّذي ولد به''. قال ابن إسحاق رحمه الله: فلمّا وضعته أمّه آمنة عليها السّلام أرسلت إلى جدّه عبد المطلب أنّه قد وُلِد لك غلام فانظر إليه، فأتاهُ ونظر إليه وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسمّيه. فيزعمون أنّ عبد المطلب أخذهُ فدخل به الكعبة، فقام يدعو الله ويتشكّر له ما أعطاه، ثمّ خرج به إلى أمّه فدفعه إليها. وولد صلّى الله عليه وسلّم معذورًا (مختونًا) مسرورًا (مختومًا مقطوع السرّة) ووقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يده مشيرًا بالسباحة كالمسبح بها. وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: ''ولد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسرورًا مختونًا''.