عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى حتّى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلّف هذا وقد غَفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! فقال: ''أفَلا أكون عبدًا شكورًا''؟! رواه البخاري ومسلم. لقد غفر الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم جميع ذنبه ما تقدّم منه وما تأخّر، ولكنّه أبى إلاّ أن يُجاهد نفسه ويَحْملها على بلوغ الغاية في العبادة؛ شكرًا لله تعالى وتحبُّبًا وتقرّبًا إليه. فكان إذا جنَّ اللّيلُ، قام من فراشه وترك لذّة النّوم شوقًا لمناجاة ربّه جلّ وتعالى، فيَصُفُّ قدميه الشّريفتين ويُصلّي الصّلاة الطويلة، فكان يقوم أحيانًا أكثر اللّيل، وأحيانًا نصف اللّيل، وأحيانًا ثلث اللّيل، وكان يقوم حتّى تتوَرّم قدماه وتتفطّر ويتحجّر الدم فيها من طول القيام. فأشفقت عليه زوجاته أمّهات المؤمنين، وأشفق عليه أصحابه الكرام من السُّهاد وطول القيام، ورغبوا إليه أن يريح نفسه، فسألوه: أليس قد غفر الله تعالى لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟! فأقرّهُم على ذلك، لكنّه بيَّن لهم أنّ مغفرة الله تعالى لذنوبه نعمة عظيمة تستحق أن تُقابل بالشُّكر.