صلاة قيام الليل من السنن الثابتة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو دأب الصّالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، وقد ورد في فضلها نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى وسُنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} الذاريات:17. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلّى الله عليه وسلّم ''أفضل الصّيام بعد رمضان شهر الله المحرّم وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل''. لقد أمر الله تعالى نبيّه بقيام اللّيل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ × قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً × نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً × أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} المزمل:.41 وعن أمّ المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت ''كان النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقوم من اللّيل حتّى تتفطر قدماه، فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم مِن ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً'' رواه البخاري ومسلم. وهذا يدل على أنّ الشُّكر لا يكون باللِّسان فحسب، وإنّما يكون بالقلب واللّسان والجوارح، فقد قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحق العبودية لله على وجهها الأكمل وصورتها الأتم، وفي هذا الشأن يقول سيّدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ''صلّيتُ مع النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليلة، فلم يزل قائماً حتّى هممتُ بأمر سوء. قيل: ما هممتُ؟ قال: هممتُ أن أجلس وأَدَعَه''! متفق عليه. قال العلامة ابن حجر العسقلاني: (وفي الحديث دليل على اختيار النّبيّ تطويل صلاة اللّيل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنّبيّ، وما هم بالقعود إلاّ بعد طول كثير ما اعتاده). وقد اتّفق أهل العلم على أنّ صلاة اللّيل لا تكون إلاّ بعد صلاة العشاء، ولا يشترط لصحّة قيام اللّيل أن ينام الإنسان قبلها، فلو بقي مستيقظاً إلى نصف اللّيل ثمّ صلّى ما كتب له ثمّ نام فصلاته صحيحة باتفاق العلماء. ومن العلماء مَن قال: إذا نام الإنسان من أوّل اللّيل ثمّ استيقظ فصلّى ما كتب له فهذا هو التّهجّد. قال الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} الإسراء:,79 والتهجد التيقظ بعد رقدة، فصار اسماً للصّلاة لأنّه ينتبه لها. فالتّهجّد القيام من النّوم إلى الصّلاة. وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث الحجاج بن عمر صاحب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: أيحسب أحدكم إذا قام من اللّيل كلّه أنّه قد تهجّد! إنّما التّهجّد الصّلاة بعد رقدة ثمّ الصّلاة بعد رقدة ثمّ الصّلاة بعد رقدة. كذلك كانت صلاة رسول الله. وكان الحسن البصري رضي الله عنه يقول: (لم أجد شيئاً من العبادة أشدُّ من الصّلاة في جوف اللّيل). وقال أبو عثمان النهدي رضي الله عنه: (تضيّفتُ أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسِّمون اللّيل ثلاثاً، يُصلّي هذا، ثمّ يوقظ هذا). وكان طاووس اليماني رضي الله عنه يثب من على فراشه، ثمّ يتطهّر ويستقبل القبلة حتّى الصّباح، ويقول: طَيَّر ذِكْرُ جهنّم نومَ العابدين!! أمّا زمعة العابد رضي الله عنه فكان يقوم فيُصلّي ليلاً طويلاً، فإذا كان السَّحر نادى بأعلى صوته: يا أيُّها الركب المعرِّسون، أكُل هذا اللّيل ترقدون؟ ألاَ تقومون فترحلون!! فيسمع من هاهنا باكٍ، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا متوضئ، فإذا طلع الفجر نادى: عند الصباح يحمد القوم السرى!! وأفضل وقت لقيام اللّيل هو نصف اللّيل الآخر أو ثلث اللّيل الآخر، فهذا أفضل من أوّله، وقد ورد في الحديث ''أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سُئل أيّ اللّيل أسمع؟ قال: جوف اللّيل الآخر فصل ما شئت'' رواه الترمذي وقال حسن صحيح.