يمرّ الأزواج، في طريقهم لفك الرابطة الزوجية، بجلسات الصلح التي يجتهد فيها القضاة لترميم العلاقة الزوجية، في محاولة أخيرة للحفاظ على الترابط الأسري، إلا أن ما يحدث، خلال بعض الجلسات التي تتسم بطابع السرية، يؤكد على الثقافة القانونية المحدودة لدى بعض المواطنين وعلى الطابع الشكلي لهذه الجلسات، وهو ما رصدته ''الخبر'' في تنقلاتها بين بعض المحاكم في العاصمة ودردشتها مع بعض المعنيين. أمام المكتب المخصص لجلسات الصلح، صادفت ''الخبر'' نساء يصطفن لانتظار دورهن، وملامحهن تعلوها الخيبة والحسرة. وفي لحظة استياء عادت بنا ''ليلى.ك'' ذات ال29 ربيعا، إلى أيام زواجها، مؤكدة أن صوت ''الزرنة'' مازال عالقا بأذنيها يوم زفّت إلى بيت زوجها، وبعيون دامعة، قالت إنها لم تكن تتوقع هذا المصير، بعدما أبداه زوجها من محبة ومن نية صادقة في المعاملة الطيبة، ''لتنقلب الأمور دون سابق إنذار''. وأضافت أن زوجها يصرّ على طلاقها لأنها أنجبت ولدا يعاني من إعاقة بنسبة 100 في المائة، والأسوأ في الموضوع تقول ''اتهمني أمام القاضي أنني لا أعرف كيف أنجب الأولاد، رغم أنه المتسبب الوحيد في ولادة ابنه معاقا بعدما لم يسمح للطبيب بإجراء العملية القيصرية لي وتركني أعاني بين أيدي القابلات وضغط دمي يتعدى ال.''18 إلا أن محامي الزوج، وفق ليلى، التزم في عريضته بأن الزوج لم يعد قادرا على العيش إلى جانبها بسبب سوء معاملتها له وإهمالها للمنزل، وقالت إن تمسكها بالرجوع لبيت الزوجية لن يفيد، مادام الزوج مصرا على الطلاق. ''زوجي طلقني، ومعي عشرة من الأبناء، ويرفض إثبات الطلاق''، تقول ''فاطمة. ش'' ذات ال40 سنة، التي ذكرتنا بأيام زفافها وسنها لا يتعدى 18 سنة، وتردف قائلة ''كان يترجى والدي ليتزوج مني، لكنه، بعد سنوات، قال لي إنه كره العيش معي''. حالة فاطمة وإن كانت تتجه نحو الطلاق كمثيلاتها، إلا أنها أكثر تعقيدا بعد رفض الزوج تثبيت الطلاق في المحكمة واكتفائه بتطليقها شرعا. هذا الطلاق الذي جاء للمرة الثالثة، تؤكد محدثتنا، جعلها مجبرة على ارتداء الحجاب في بيتها، نظرا لتمسك الزوج بالمبيت في بيته وتمسكه بإنكار طلاقه لها. ورغم أنها تعرف أن هذه الحالة لن تمكّنها من الاستفادة من جلسة الصلح للعودة إلى بيت الزوجية، إلا أنها حضرت عسى أن تنيرها القاضية بإجراءات شرعية تمكنها من العودة إلى منزلها، بعدما قامت برفع قضية على زوجها لتوضيح حالتها. وبسبب خلاف بين ''محمد.ل'' صاحب ال35 سنة، ووالدة زوجته ''سمية.ك''، قامت الأخيرة بطلب الطلاق بعدما مكثت مدة شهرين ''غاضبة'' عند أهلها. وأشار محدثنا إلى أنه لا يريد التفريط في عائلته مهما كان حجم الخلاف وأنه يريد العيش مع زوجته وابنيه بمعزل عن العالم لتفادي الخلافات العائلية، ''لكن زوجتي تسمع من أهلها وترفض الحفاظ على أسرتنا''. أما ''رتيبة. ج''، فأكدت أنها طلبت الطلاق من زوجها، بعد اقتناعها بأنه لن يتمكن من إيفائها حقها. وأوضحت بأن زوجها لم يعبر لها عن محبته ولم تسمع منه طيلة سنوات الزواج كلمة طيبة، وهو ما يجعل علاقتهما باردة لا يكسوها دفء العائلة. وأضافت ''زوجي ليس حنونا ولا محبا، كما لا أحس باهتمامه بي ولا أشعر أنني زوجته''. وإن كانت مشكلة رتيبة من بين النقاط التي تتغاضى عنها بعض النسوة بحجة الحفاظ على بيت الزوجية وعلى شمل الأولاد، إلا أن محدثتنا أكدت أنها لن ترضى بالوضع على حساب حياتها. الحضور بوكالة ممنوع قانونا وفي الموضوع، أكد المحامي لدى المجلس، بولفراد جمال، أن أغلب قضايا الطلاق التي تمرّ في المحاكم تكون لأسباب جد تافهة، في الوقت الذي يبرر القاضي حكمه بالقول إن الحكم جاء بتظليم الزوج لوحده، ''وهو الأمر الذي لا يقلل أبدا من شأن الزوج، إنما يسبب خسائر معنوية بالغة للمرأة''. وأفاد بولفراد بأن جلسات الصلح مرحلة ضرورية بالنسبة للأزواج وإجراء أولي هام، إلا أنها غالبا ما تكون شكلية، كون العصمة في يد الرجل، خاصة أن العملية أصبحت تشوبها تجاوزات من طرف القضاة الذين يعملون بالوكالات ويسمحون للمحامي أو أحد أفراد عائلة الزوج بالحضور عوضا عنه للجلسة، حيث يعتمد القاضي على سماع المحامي أو أحد أفراد العائلة رغم أن العمل بالوكالة ممنوع قانونا، في إطار الجلسات التي ينبغي أن تتسم بالسرية التامة والتي تؤكد المحكمة العليا على ضرورة إجرائها بشكل إلزامي وحضوري. وأوضح بولفراد بأن القانون يحمل ثغرات فادحة، لكون القانون الجزائي يؤكد عدم شرعية العمل بالوكالة، في حين لم يتطرق قانون العقوبات للإجراءات التي تطبق على القضاة المخالفين. وأكد ''هذا خطأ جسيم، لأن الزوجة تبقى الضحية الوحيدة لمناورات يلجأ إليها الطرف الآخر''. وأضاف أن قانون الأسرة يؤكد إلزامية إجراء جلسات الصلح، إلا أنها أصبحت شكلية يستعمل فيها الرجل العصمة للقضاء على حق المرأة في الحفاظ على أسرتها ويجعلها دائما في موقف ضعيف. وبعودته إلى بعض القضايا التي يصادفها في إطار عمله، قال المحامي ''صادفت قضية تحجج فيها الزوج بأنه سئم من رؤية زوجته لتطليقها، وبما أنه ميسور ماديا ومكنها من كافة حقوقها المتضمنة في قانون الأسرة، فإن القاضي قام بتطليقها بناء على طلب الزوج، وقد عانت هي من محاولات الرجوع بعد تضييع الزوج لفرصة جلسات الصلح التي لم يحضرها''. وفي قضايا أخرى، أشار بولفراد إلى أن بعض الأزواج أصبحوا يستعملون الناحية الشرعية كسلاح، حيث يقومون بتطليق الزوجة شرعا، ويتركونها معلقة قانونا ولا يقومون بطلب الطلاق، حيث ينتظرون أن تقوم الزوجة بتقديم طلبها لفك الرابطة، ويغتنمون الفرصة لطلب الرجوع، في الوقت الذي تعرف الزوجة أنه لا يمكنها الرجوع لأنها مطلقة شرعا وهو ما يدفعها لطلب الخلع، في ''حيلة'' لدفع الزوجة إلى ''التخلي عن حقوقها وابتزاز مالها''. من جهتها، أوضحت المحامية فتيحة زطوط، بأن جلسات الصلح المقررة في قانون الأسرة، تبقى شكلية في ظل الإجراءات القانونية التي تمنع حضور المحامي إلى جانب موكله إلا في حالة الوكالة، وهو الأمر الذي يجعل الجلسات ناقصة موازاة مع قلة معرفة بعض الموكلين بالقانون، وبطريقة صياغة الأسئلة من طرف القاضي، ما يجعلهم ضحايا لجهلهم، رغم كونهم أصحاب حق، مبرزة أن 90 في المائة من الأزواج الذين يصلون إلى المحكمة يكون مصيرهم الطلاق أو التطليق، في حين تتمسك الزوجة غالبا بالرجوع حتى لا تفقد حقوقها. ومن بين ما ترويه المحامية من نوادر الجلسات التي دارت بمحكمة الحراش في العاصمة، أن القاضية قامت بطرح بعض الأسئلة على موكلها، تخص العلاقة الحميمية وإن كانت وزوجته مقصرة في هذا الجانب، فأجابها بصفة عادية إلا أن أحد أسئلتها فاجأه لدرجة أنه أجابها ''لو كان عندك العقل لا تسأليني مثل هذا السؤال''، ما كلفه خسارة القضية. وأوضحت المحامية زطوط بأن هذا السؤال لو تم بحضور المحامي يمكن أن يسحب، قبل أن يجيب الموكل بطريقة اعتبرتها القاضية غير أخلاقية. وقالت محدثتنا إن ما تصادفه في بعض الجلسات يستدعي الذهول، نظرا لتفاهة الأسباب من جهة وغرابتها من جهة أخرى، وفي إحداها اتهمت الزوجة زوجها برفضه منحها حقوقها الزوجية ومنعها من الإنجاب، وأكدت أنها متمسكة بالعودة إلى بيتها، في حين لجأ الزوج للطعن في أخلاق الزوجة كونه سمع عنها وشاهدها مع شخص آخر، لكن دون أن يقوم بإحضار الشهود، فيما تتمكن بعض الزوجات من إجراء الصلح والعودة إلى بيوتهن، إلا أنهن ترفعن مجددا قضايا الطلاق ضد أزواجهن في المحاكم بسبب سوء المعاملة أو احتيال أحد الطرفين. وأردفت المحامية قائلة إن قضايا اتهام الزوجات بارتكاب الفواحش مع المحارم، تسير في منحى تصاعدي مؤخرا.