لم يعد الطلاق التعسفي ذلك الكابوس المرعب الذي يخيف الجزائريات بعد أن حققت الكثيرات منهن المكانة العلمية والاستقلالية المادية، بل إن رجال اليوم مهددون بالخلع من طرف زوجاتهم بعد أن صار هذا الاخير متاحا بحكم القانون والشرع وعجت بقضاياه المحاكم الجزائرية. ليست ظاهرة الخلع''التطليق'' حديثة المنشء، بل هي قديمة ويرجع تاريخها إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. ورغم أنها بقيت بعيدة عن المجتمع الجزائري لعدة سنوات إلا أنها أضحت حقيقة ملموسة تطرح وبقوة في المحاكم الجزائرية. فحسب الأرقام التي كشف عنها مصدر قضائي فقد تم تسجيل حوالي 2000 حالة خلع خلال السنة الماضية عبر مختلف محاكم التراب الوطني. وبحكم المواد المنصوص عليها في قانون الأسرة جاء في المادة 53 مكرر: (الامر رقم 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005)، ''يجوز للقاضي في حالة الحكم بالتطليق أن يحكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها''. وفي المادة 54 الأمر رقم 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 ''يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخالع نفسها بمقابل مالي وإن لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع، يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم''. ما الذي يدفع بالمرأة للمطالبة بالخلع؟ لعل من أهم الاسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة الخلع في مجتمعنا، الظروف الاجتماعية الصعبة بالدرجة الاولى. فهناك فتيات يقدمن على الزواج دون التأكد من الوضعية الاجتماعية للزوج، خاصة إذا أقمن في المنزل العائلي وحصلت خصومات وخلافات من طرف عائلة الزوج ولم تتحمل الزوجة مواصلة العيش مع أفراد أسرته، هنا تطالب الزوج بالسكن المنفرد وغالبا ما تقابل بالرفض للاسباب المادية، فتلجأ بدورها إلى طلب الطلاق أو الخلع لتفادي الضرر الذي يعود عليها إذا ااستمرت الحياة الزوجية بينهما. وهناك من تلجأ إلى الخلع للتخلص من الزوج الانتهازي الذي يستغل فرصة كونها تشغل مركزا مرموقا وتعيش رخاء ماديا، فيقوم باستنزاف أموالها بحكم أنه صاحب العصمة والآمر الناهي في البيت، فلا يقدر معاناتها بل ينظر إليها كألة لضخ الاموال فقط، متناسيا أن الشريعة السمحاء قد فرضت النفقة على رب البيت وليس على الزوجة إلا برضاها. إضافة إلى أسباب أخرى كالزواج بغرض المتعة لفترة معينة فقط، كذلك اكتشاف الزوجة عيبا في الزوج لم تتطلع عليه قبل الزواج كالشذوذ والبرود الجنسي. المتزوجات حديثا الأكثر طلبا للخلع! تشير المحامية برحال سهيلة التي سبق وأن عالجت مواضيع عديدة ومن أهمها الخلع، فتقول إن أكثرية النساء اللواتي يطلبن الخلع، هن نساء حديثات الزواج ولم يمض على ارتباطهن وقت طويل، فتجد من تزوجت مجبرة من الأهل دون رغبتها، وهناك من لديها ميول وتطالب بالخلع لتتزوج بآخر وتجد الخلع الحل الأسهل لفك الرابطة الزوجية، كون إجراءاته أسهل من الطلاق ولا تستغرق وقتا طويلا. وتضيف أنه غالبا ما تلجأ الزوجة لطلب الخلع عند تعسف الزوج في تطليقها ليبقيها تحت رحمته. تهرّب الزوج من مسؤوليته ورفضه الطلاق أما المحامية العياشي سعيدة فتقول إن ظاهرة الخلع كانت منتشرة بكثرة في مصر، وقد أضحت واسعة الانتشار بدليل الكم الهائل من دعاوى الخلع التي ترفعها الزوجات ضد أزواجهن طلبا لانهاء العلاقة الزوجية. ومن بين القضايا التي تولتها قضية أستاذة في التعليم الابتدائي أم لطفل في الثالثة من عمره، طلبت الخلع بعد أن عانت الأمرّين من تصرفات زوجها، فهو عاطل عن العمل يقضي يومه في الأكل النوم والاسترخاء فضلا عن تصرفاته العنيفة معها، ومطالبته بتسليم راتبها الشهري له ليقوم بصرفه على نساء أخريات، فلم تستطع تحمل الأمر رغم عدة محاولات قامت بها تفاديا لتهديم أسرتها، فقد قامت بالبحث عن عمل له نيابة عنه في مؤسسة عمومية لكنه لم يتم الشهر واستقال والسبب، على حد قوله، أنه عمل متعب ومادامت هي تعمل فلا داعي لعمله هو أيضا. وحين طالبته بالطلاق قام بالتعدي عليها بالضرب وأنه من المستحيل لها حتى أن تحلم به، لذا فما كان لها إلا أن تطالب بالخلع هربا من رجل لا يتحمل المسؤولية وانتهازي. وهناك حالات عديدة أخرى كحالة زهية التي أجبرت من طرف أهلها على الزواج من أحد أقربائها، علما أنه كان يعلم برفضها، غير أنه بعد الزواج بها حاول الانتقام منها في بيته بسوء معاملتها وإهانتها كونها رفضته وتزوجته مرغمة، فأصبح يعاملها معاملة خادمة لا تملك أبسط الحقوق، فالتجأت إلى القضاء وطلبت الخلع مفضلة خسارة عدة حقوق على أن تبقى مع زوج تزوجها ليهينها وليينتقم منها. رأي الدين في الخلع ثبتت مشروعية الخلع في القرآن والسنة ففي حادثة وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم، أن جاءته زوجة ثابت بن قيس فقالت: ''يا رسول الله، إني ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ فقالت نعم. فقال عليه السلام لزوجها أقبل الحديقة وطلقها تطليقة''. لقد أجمع الفقهاء على جواز الخلع ومشروعيته عند الحاجة، كاستحالة مواصلة الحياة الزوجية وكذلك إساءة معاملة الزوجة للزوج أو العكس أو كره الزوجة لزوجها لسوء دينه أو خلقه. وفي حال تعدد الزوجات الذي يمكن أن يضر بالزوجة الاولى وحالة النشوز، حيث تجد الزوجة نفسها بحكم قضائي ''حكم الطاعة''، معلقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة، الأمر الذي يلحق بها ضررا كبيرا. ورغم عدم استساغة المجتمع الجزائري ظاهرة الخلع، إلا أنها فرضت نفسها بقوة القانون، فجهاز العدالة مسؤول عن ارتفاع نسب الطلاق نتيجة التراخي والتساهل في جلسات الصلح التي أصبحت تتم بسرعة رغم أن الشرع والقانون يستوجبان حضور حكم من أهلها وحكم من أهله لإيجاد وسيلة للتفاهم والرجوع، قد تغني في الاخير عن نتيجة الطلاق والانفصال.