إنّنا على أبواب شهر ربيع الأوّل. وهذا الشّهر يجمع ذِكرى أحداثٍ مهمّة من سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وحياته. فمولده وهجرته ووفاته وقعت في هذا الشّهر. فما هو الحدث الأهم من هذه الأحداث؟ أتراه حدثُ ميلاده صلوات الله وسلامه عليه، والّذي اتّخذه بعض النّاس عيدًا وموسمًا يحتفلون فيه، وليس لهم أيّ فهم عن ماذا يعني مولدُ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، شأنهم شأن النّصارى الّذين يحتفلون بعيد رأس السنة ويزعمون أنّه عيد ميلاد المسيح عليه السّلام، وليس لهم أدنى فكرة صحيحة بميلاده، فهذه كنائس الشرق تحتفل هذه الأيّام، وأما كنائس الغرب فقد احتفلت قبل عدّة أيّام، بل إنّ النّصارى الّذين يحتفلون بمولد المسيح مرّة في العام ليس لهم بعد ذلك أيّ صلة بعيسى عليه السّلام أو دينه، إنّما يحتفلون ويمرحون لحاجتهم للمرح لا لحاجتهم لميلاده أو دينه، فكما أنّ كثيرًا من النّصارى لا يتذكّرون نبيّهم أو إلههم - فهم يجهلون جهلاً عميقًا هل عيسى عليه السّلام إله أم نبي - إلاّ مرّة في السنة، كذلك هو حال بعضٍ وقلّةٍ من المسلمين لا يتذكّرون نبيّهم إلاّ يوم مولده، فما أبعد من كان هذا حاله مع هذه المناسبة عن حقيقة هذه المناسبة. أمّا الحدث الثاني فهو ذكرى هجرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فمن المعلوم تاريخيًا أنّ دخول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة كان يوم الإثنين من شهر ربيع الأوّل مع بعض الخلاف بين أهل السيَر في اليوم الّذي دخل فيه إلى المدينة، وهذا الحدث له أهمية أكبر من الأولى، فهجرة النّبيّ ذات معاني جليلة غفل عنها كثير من النّاس أيضًا، فمن نجاح الهجرة ووصوله إلى المدينة سالمًا اعتبرت هذه المناسبة حدثًا مُهمًّا. والحدث الثالث من أحداث شهر ربيع الأوّل وهو لا يقل أهمية عن السابق فهو وفاته عليه الصّلاة والسّلام، فقد توفي صلّى الله عليه وسلّم في شهر ربيع الأوّل مع خلاف يسيرٍ أيضًا في اليوم الّذي توفي فيه، وهذا الحدث يعظُم لأنّ وفاته ليست كوفاة أعظم ملوك الدنيا فضلاً عن سائر النّاس، بل إنّ وفاته ليست كوفاة إخوانه من الأنبياء، إذ بوفاته عليه الصّلاة والسّلام انقطعت النُّبوات، وانقطع الوحي، وانقطع خبر السّماء، بل إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هوّن أيَّ مُصيبة تحلّ على المسلم بمصيبة وفاته، فعن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أواخر أيّامه: ''يا أيُّها النّاس، أيُما أحد من النّاس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليَتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة الّتي تصيبه بغيري، فإنّ أحدًا من أمّتي لن يُصاب بمصيبة بعدي أشدّ عليه من مصيبتي'' رواه ابن ماجه، قال الشيخ الألباني: صحيح. فوفاة النّبيّ وانتقاله إلى الرّفيق الأعلى أعظم مصيبة، ولكنّها سلوى لكلّ مصاب فقَد حبيبًا أو قريبًا، وفاته صلّى الله عليه وسلّم تخفيف لكلّ مَن فقد أعزّ النّاس عليه، وليس ذلك إلاّ لعظيم حدث وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فمُصاب الأمّة في محمّد صلّى الله عليه وسلّم عظيم ولكنّه سلوة للمؤمنين والمتّقين، الّذين إذا أصابتهم مصيبة استرجعوا وعلموا أنّه لا حزن على هذه الدّنيا، ولا جزع أكبر من فقد النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم. إمام مسجد الرّحمان- براقي