ماذا كان ينتظر العالم من الجزائر أن تفعل أمام مجموعة إرهابية ''تحتل'' واحدا من أكبر الحقول النفطية في الجزائر، أو بعبارة أدق، ''قوت'' الجزائريين؟ وهل يحق فقط للولايات المتحدة والدول الكبرى أن تنتصر لنفسها بقوة السلاح عندما تضرب مصالحها، بينما يمنع ذلك على الجزائر؟ لقد رأينا ماذا فعلت أمريكا عندما تم استهداف برجي التجارة في مانهاتن، فقد قادت حربا على العالم وليس على بن لادن وجماعته، ورأينا ماذا تفعل فرنسا دفاعا عن مصالحها الاستراتيجية في أماكن بعيدة جغرافيا عنها، وها هي الآن تدخل حربا لا أحد يعرف كيف ستنتهي. إذن، لا مجال للنقاش في مسألة مدى إصابة أو خطأ الجزائر في القيام بعملية عسكرية داخل حدودها أمام مجموعة إرهابية تحتل منشأة بترولية وتفاوض على وقف التدخل الفرنسي في شمال مالي. لكن، هناك مجال واسع جدا لمناقشة الفشل الأمني في حماية المنشآت النفطية. وعلى المسؤولين في هذا البلد أن يجيبوا الشعب عن كيفية وصول حفنة من الإرهابيين إلى قلب قاعدة بترولية مليئة بالأجانب، وعلى هؤلاء المسؤولين أن يكفوا عن استغفال الشعب وأن يتوقفوا عن استعداء الخبرة الأجنبية التي ستعيد حساباتها كلما وجهت لها الدعوة للاستثمار في الجزائر، أفرادا ومؤسسات. ثم، كم يلزم من عملية إرهابية مثل كارثة عين أمناس، حتى يفهم مسؤولو هذا البلد للمرة الألف بأن رهن اقتصاد الجزائر وقوت الجزائريين لهذه المنشآت البترولية، هو قتل بطيء للجزائريين. أما الأسئلة الأخرى التي أثارتها عملية عين أمناس، فهي مرتبطة بمدى صلابة صداقات الجزائر مع القوى الدولية، خصوصا مع فرنسا والولايات المتحدة: فما معنى إذن أن يكشف وزير خارجية فرنسا، لوران فابيوس، أن الجزائر سمحت باستخدام مجالها الجوي لمرور طائرات مقاتلة لضرب الجهاديين في شمال مالي؟ هل أخطأ الوزير الفرنسي في كشف المستور أم أخطأت الجزائر في التعامل مع مواطنيها، فلم تكشف لهم اتفاقات زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الشهر الماضي. والحقيقة، في اعتقادي، هي أن السلطات الجزائرية ما زالت تتعامل بمنطق الوصاية على الشعب، وهذا خطأ كبير يحتاج إلى وقفة مصارحة، لأن الجزائر ملك لكل الجزائريين وليس لجنرال أو رئيس.