توفي، أمس، عضو مجلس الأمة والمجاهد عبد الرزاق بوحارة، إثر وعكة صحية تعرض لها مساء أول أمس، ونقل إثرها إلى مستشفى عين النعجة على جناح السرعة. المرحوم كان أحد أكبر المرشحين لخلافة عبد العزيز بلخادم على رأس الأفالان، الذي ناضل فيه طيلة سنوات الاستقلال وكان صوته دائما يخالف الرأي الغالب، كما يصفه من عرفوه في صفوف الحزب أو كوزير أو مسؤول عسكري. معروف عن بوحارة أيضا أنه يستغرق وقتا طويلا في اختيار الكلمات والفواصل التي يضعها في خطاباته أو كتاباته. ''هو رجل ذو شخصية قوية'' يقول عنه رفقاؤه، وكان من منشطي مجلة ''الثورة الإفريقية'' الصوت الإعلامي الوحيد الذي كان يتمتع بهامش من حرية التعبير أيام الحزب الواحد تقريبا. ورغم تقدمه في السن، لم يتوقف بوحارة عن معارضة فريق بلخادم الذي تولى قيادة الأفالان بعد رئاسيات 2004، منذ المؤتمر المصطلح عليه ب''الجامع''، وهو نسخة معادة للمؤتمر الثامن بعد تنحية الأمين العام آنذاك علي بن فليس. وظل بوحارة الواجهة الديمقراطية في لجنة مركزية كانت كلها تتحدث بلسان بلخادم، ما دام هذا الأخير يوحى له من الفوق وكل المؤشرات كانت تقول إن رئيس الجمهورية منحه الثقة المطلقة. والذين يعرفون الرجل يتذكرون أول خرجة له ضد التيار الغالب، وكانت أيام الراحل هواري بومدين، وكلفته الإبعاد نحو هانوي لشغل منصب سفير أثناء القصف الأمريكي للعاصمة الفيتنامية. كما كان لبوحارة موقف مميز في أزمة صيف سنة 1962 بين جيش الحدود ومجاهدي الولايات التاريخية، حيث رفض دخول الولاية الثانية بالقوة، كما ينقله شخصيا في مذكراته تحت عنوان ''منابع الثورة'' الصادر سنة .2004 وكان هذا الكتاب بداية عودة بوحارة إلى الواجهة السياسية التي غادرها رفقة رموز الحزب الواحد بعد أحداث أكتوبر .1988 وقبل هذه الأحداث، كان الرجل وزيرا للصحة منذ سنة 1979 وشغل مناصب قيادية في الجيش الوطني الشعبي، وهو محسوب على المدرسة المشرقية الغريمة لمدرسة الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، بحكم تكوينه في مدرستي حمص السورية والقاهرة. وفي المقابل، تلقى بوحارة المراحل الأولى من تعليمه في المدارس الفرنسية بمسقط رأسه القل، ثم قسنطينة، قبل أن يوقف دراسته ليلتحق بالثورة التحريرية. بوحارة الذي توفي وهو يبلغ من العمر 79 سنة، وأوقفته ''دورة الحياة''، على حد تعبير آيت أحمد، عن ممارسة السياسة، بينما كان الرمز الذي رافق النظام الحاكم في الجزائر منذ الساعة الأولى للاستقلال، كان مرشحا لحياة سياسية ثانية في مفترق الطرق الذي دخله الحزب العتيد منذ سنوات من الآن، وفي غياب وجوه شابة قادرة على تحقيق ''الإجماع'' داخل آخر حزب ثوري في العالم تقريبا.