أرسل اللّه تعالى رسوله عليه الصّلاة والسّلام للنّاس بشيرًا ونذيرًا، بل وصف اللّه تعالى رسالته بأنّها رحمة للعالمين، فقد بُعث ومعه السّلم والسّلام والأمن والأمان، ولهذا اعتنى عليه الصّلاة والسّلام عناية كبيرة بنشر الأمن والأمان في المجتمع، واعتنى، أيضًا، بمحاربة كلّ أشكال العنف والقسوة، لأنّها تتنافى مع المعاني السّامية والأخلاق الرّفيعة الّتي بُعث بها. لم يكن المجتمع الّذي عاش فيه رسول اللّه أحسنَ حالاً من غيره من المجتمعات العالمية. فمشكلة العنف والإرهاب كانت موجودة، بل متجذّرة، وهذا ما وصفه جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه للنّجاشي قائلاً: أيُّها الملك كنّا قومًا على الشِّرك، نعبُد الأوثان، ونأكُل الميْتة، ونُسيء الجوار، ويستحلُّ المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها.. حتّى ظاهرة وَأْد البنات نجدها من الظواهر الّتي تدل على عمق مشكلة العنف والقسوة، لذلك قال عنها صلّى اللّه عليه وسلّم: ''إنّ اللّه حرّم ثلاثًا ونهى عن ثلاث: حرّم عقوق الأمّهات ووَأْدَ البنات..''. وقد أرسى رسول اللّه مجموعة من القيم الرّفيعة والأخلاق السّامية منها: إشاعة خُلُق الرّفْق ونَبْذ العُنف، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ''إنّ اللّه رفيق يحبّ الرّفْق، ويُعطي على الرّفْق ما لا يُعطي على العُنف، وما لا يُعطي على ما سواه..''. وكانت سيرته عليه الصّلاة والسّلام القدوة والمثل الأعلى في ذلك، فعن عائشة رضي اللّه عنها: ''أنّه دخل رهْطٌ من اليهود على رسول اللّه فقالوا: السَّام (الموت) عليكم، قالت عائشة: فَفَهِمْتُها، فقلتُ: وعليكم السَّام واللّعنة، فقال رسول اللّه: ''مَهْلًا يا عائشة، إنّ اللّه يحبّ الرّفق في الأمر كلّه''. وفي رواية: ''وإيَّاكِ والعُنْفَ والفٌحْشَ، فقلت يا رسول اللّه أَوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟ فقال رسول اللّه: قد قلتُ: ''وَعَليْكُمْ''، رواه البخاري. وكذلك إرسَاءُ خُلُق الرّحْمة حتّى مع المُخخْطئين، وهي مِنْ أعظم القِيَم الّتي يَنْشأُ عليها المجتمع فيتربّى على التّراحُم والتّعاطُف والتّكافُل، بعيدًا كلّ البُعد عن العُنْف والقَسْوة والإرهَاب. إلى جانب إعلاء قيمة الوسطيّة والاعتدال، والتّحذير من الغُلُوّ في الدّين، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ''إنّ الدِّينَ يُسْرٌ ولنْ يُشَادّ الدِّينَ أَحَدٌ إلاّ غَلَبَهُ، فسَدِّدُوا وقَارِبُوا وأبْشِرُوا..''، رواه البخاري. وإشاعة قيمة السّلْم والمُسَالَمَة بيْنَ أبْناء المجتمع، وأنّ المُسْلم هو مصدرٌ للسّلَام والأمْن والأمان، بلْ هذا من أفضل المُسلمين، فعن جابر رضي اللّه أنّه قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال يا رسولَ اللّه: أيّ المُسلمين أفضل؟ فقال: ''مَنْ سَلِمَ المُسْلمون مِن لِسَانِه ويَدِه''، رواه مسلم.