تخرج العائلات إلى الحقول والمساحات الخضراء للقاء الربيع في أول يوم جمعة مشمس من شهر مارس، أو كما يحبّون تسميته محليا ''مغرس''. ويعدّ إحياء يوم ''شاو الربيع''، بلغة سكان الهضاب العليا الممتدة بين برج بوعريريج وسطيف والعلمة، من بين التظاهرات الشعبية القديمة التي يُحتفل بها، تيمنا ب''الربيع''، لما لهذا الفصل من رمزية للخصوبة. تشرع عائلات الهضاب في إعداد ألذ المأكولات التقليدية، خاصة منها ''المبرجة''، في جو احتفالي كبير استعدادا لاستقبال الأقارب والجيران والاحتفال بحلول الربيع. هذا الاحتفال الذي أصبحت تنغصه، اليوم، تصرّفات بعض الشباب الطائش الذي لا يولي أهمية لطبيعة هذا اليوم، وهو الأمر الذي اتفقت عليه العائلات، ممن تحدثت إليها ''الخبر''، حيث أكدوا أن ''الفرحة بحلول شاو الربيع، اليوم، تختلف كثيرا عن السابق''. ويعتبر الاحتفال ب''شاو الربيع'' من الأعياد التقليدية المتجذرة في عادات منطقة الهضاب العليا، والذي يتسم التحضير لاستقباله بطابع خاص، لا يكتسب من بهجة هذا الفصل وجمال المساحات الخضراء خلاله فقط، بل يكتسب من العادات والتقاليد المتوارثة عن الأجداد، والمعبّرة عن ثقافة المنطقة الغنية. يتنافسون على ''المبرجة'' و''الرفيس'' و''قفة الطفل'' تستقبل العائلات الربيع بتهافتها على شراء الدقيق والسمن والغرس، حيث تحضر الأمهات والجدات مأكولات خاصة بالمناسبة، مثل ''المبرجة'' أو كما يطلق عليها محليا ''البراج''، وهي عبارة عن دقيق محمّص يتوسطه غرس (تمر مرحي) ويتم تقطيعها إلى أبراج، إضافة إلى ''الرفيس'' التونسي، وهو خليط من الدقيق المحمّص والغرس والزبدة الممزوجة، يتخذ عند طهيه أشكالا عديدة، ويعتبر الأكلة المفضلة لدى الأطفال. وتقوم العائلات بشراء سلات صغيرة لأبنائها، تعبأ بالحلويات والبرتقال والبراج والبيض المسلوق، ويتفنّن الجميع في تنويع الأشكال والألوان والمذاق، لتصبح مادة للتباهي بين الأطفال الصغار، كلباس العيد أو كبش عيد الأضحى. ولا يتوقف الاحتفال بعيد الربيع عند حدود المجالس العائلية المغلقة، بل يتسع إلى الخرجات الأسرية الجماعية، حيث تغزو العائلات الحقول والمساحات الخضراء، وتخرج لنزهات ترفيهية في أماكن طبيعية مفتوحة، محمّلة بأطباق شعبية للغداء في الهواء الطلق، وهو ما يحوّل الحفل إلى ''كرنفال'' بهيج يشارك فيه آلاف الأشخاص، بينما تقوم الجدّات بجمع بعض أنواع الخضر البرية، والبحث عن الفتاة المناسبة لأبنائهن أو أحفادهن. .. وآخرون يتأسفون لفقدان الاحتفال نكهته هذه الاحتفالات لم تمنع من ظهور مستجدات، باتت تنغص على العائلات صفو احتفالاتها، حيث أكد العديد من سكان المنطقة أن التظاهرة كانت، في السابق، عيدا حقيقيا ينتظره الكبير والصغير، ويسمح بالتعارف بين العائلات ويربط بينها أواصر المحبة والتقارب، كما كانت في الكثير من الحالات سببا في ''التصاهر''، قبل أن تهتز المعايير ويعكر جو الفرحة شباب طائش بسلوكات لا أخلاقية، أصبح يزاحم العائلات في قعداتها الحميمية، من خلال استغلال مساحات واسعة من الغابات والمساحات الخضراء للقيام بنشاطاتهم المتهوّرة، كتدريب الكلاب أو التسابق بالدرّاجات النارية، الأمر الذي يثير فزع الأطفال وتخوّف العائلات، فيما يعمد آخرون إلى الجلوس في سياراتهم التي تنبعث منها موسيقى صاخبة تتسبّب في العديد من الشجارات مع أرباب الأسر، وهو ما يحوّل فرحة اليوم إلى كابوس، ويدفع ببعض العائلات إلى التوجه نحو أبعد نقطة ممكنة بعد أن كانت تجتمع في غابة ''بومرقد'' بالمدخل الشرقي للمدينة، أو بالحقول الممتدة على طول الطريق الوطني رقم 5 باتجاه بلدية اليشير ومجانة. وتلحق هذه الاحتفالات الشعبية احتفالات رسمية تنظمها الجمعيات والمنظمات الخيرية، وتشارك فيها مديريات السياحة والشباب والرياضة، حيث تقام خلالها مسابقات لأحسن أنواع ''المبرجة'' وأجمل ''قفة طفل''، ومنافسات في الصناعات التقليدية والألبسة، تهدف إلى الحفاظ على العادات الجزائرية المتوراثة في كل منطقة، ويصاحب الاحتفالات إيقاع يردّده السكان ''شاو الربيع الربعاني.. كل عام تلقاني.. في الفيلاج الفوقاني''.