بن بلة دمّر شعباني لأنه كان يراه خطرا عليه / جيش الولاية السادسة قدّم مقاليد الحكم لجماعة بن بلة سي الحواس ذكي وصارم وهو من نظّم الولاية السادسة التاريخية شغل منصب أمين عام الولاية السادسة التاريخية، التي أشرف عليها العقيدان سي الحواس وشعباني، وسُجن في قضية اغتيال هذا الأخير لمدة عام كامل. التقى أثناء فترة حبسه بعدد من الشخصيات التاريخية منهم: فرحات عباس وآيت أحمد وأحمد طالب الإبراهيمي. يصف سي الحواس ب''الشخصية المتمرسة'' والصارمة الذكية التي هيكلت الولاية السادسة. وقال بأن شعباني شاب وطني مخلص صبور دمّره بن بلة. إنه المجاهد الطاهر لعجال، الذي زارته ''الخبر'' في بيته في بلدية فوغالة بولاية بسكرة، وفتحت معه صفحات من تاريخ الجزائر، خاصة في مرحلة الثورة وما جرى بعد الاستقلال وقضية إعدام شعباني. حاولت معه مرات عديدة بأن يستعيد ذكريات كفاحه وأهم محطات حياته، ويقدّمها لقراء جريدة ''الخبر''، التي قال إنه يحترمها وأنها المفضلة بالنسبة له، لما لها من مصداقية في نقل الأحداث. وكان في كل مرة يمتنع بطريقة لبقة، وبعد أن التقينا في مقر الولاية، في إحدى المناسبات، عاودت العرض وافتككت منه الموافقة، لأنني أدرك أنه كان قريبا جدا من أعظم شخصيتين في الولاية السادسة التاريخية. ورغم أن أحد الأصدقاء أكد لي أن عمي الطاهر يتجنب الخوض في بعض القضايا الحساسة، اعتقادا منه بأنها قد تضر بالوطن أو قد تحدث بعض النعرات الجهوية، رغم ذلك كنا في الموعد ونزلنا ببيته. وفي قاعة الاستقبال لم نجد صورا تذكر الزائر بأن صاحبها كان رقما فاعلا في الثورة التحريرية بهذه الجهة، والسبب أن أرشيف الولاية السادسة استولت عليه فرنسا ولم يبق إلا القليل. عرف المسؤولية مع الأفالان ورفض منصب وزير عرضه عليه بومدين عادت ذاكرة المجاهد الطاهر لعجال إلى بدايات نشأته، حيث روى لنا أنه تلقى تعليمه على يد والده، في معهد الكتانية بقسنطينة، ثم درس بجامع الزيتونة بتونس، وهناك بدأ النضال في الحركة الوطنية، في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، ثم عضوا بالمنظمة السرية، بعدها هاجر إلى فرنسا، وواصل النضال ضمن الحزب، وتكفل، أيضا، بشعبة جمعية العلماء المسلمين بنواحي ليون. وفي 1953 عاد إلى بسكرة لغرس النخيل بمنطقته، لكسب القوت، لكنه لم ينقطع عن النضال. وبعد اندلاع الثورة، وفي سنة 1955، بدأ في جمع السلاح وتجنيد المجاهدين. وبعد مؤتمر الصومام ترأّس لجنة جبهة التحرير بمنطقة فوغالة، ثم التحق بمكتب سي الحواس، عندما كان هذا الأخير مسؤولا عن المنطقة الثالثة بالولاية الأولى وأمينا عاما للولاية السادسة إلى غاية الاستقلال. وبخصوص المسؤوليات التي تقلدها، يؤكد عمي الطاهر أنه كان خادما للوطن وجبهة التحرير، حيث أسندت له مهمة أمين عام لمحافظة الحزب لولايتي التيطري، المدية حاليا وقسنطينة، ما بين سنوات 1968 إلى غاية 1978، إلى أن استقال بمحض إرادته، بعد أن أكمل البرنامج المسطر من قِبل الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي عرض عليه منصب وزير لكنه رفض، وقال له بأنه مناضل يبقى وسط الشعب وأنه يمقت المسؤولية الإدارية. كما رفض منصب سفير لدى الكويت مرتين. وبلغة الواثق من نفسه يقول إن الدولة لا تدين له بأي شيء، كالامتيازات والأراضي وقروض الدعم الفلاحي وما شابه ذلك، لأنه يرفض أن يطأطئ رأسه، ولأن الطمع يفسد الطبع، على حد تأكيده.
الولاية السادسة نموذج في الهيكلة والوحيدة التي استعملت العربية يروي المجاهد الطاهر لعجال عن التنظيم الذي كانت تتميز به الولاية السادسة التاريخية، ويرجع الفضل، برأيه، إلى العقيد سي الحواس، الذي قام بهيكلتها من جميع النواحي، وسنّ نصوصا وقوانين يطبّقها الجميع، من الجندي البسيط إلى القائد، واستمر العمل بها حتى بعد استشهاده. والملفت برأيه أن هذه الولاية كانت الوحيدة التي تستعمل اللغة العربية في مراسلاتها، نظرا لتكوين سي الحواس، وكانت تعتمد على طبع مجلة ''صدى الجبال'' ومناشير ومطويات يومية لمواجهة ادعاءات وأكاذيب العدو الفرنسي، الذي أطلق عليها اسم ''ولاية الكلمة'' أو ''الكاغط''. وكان الشهيد رشيد حليمي هو من يتولى عملية الطباعة، وبإمكانات منعدمة، رغم ذلك فالرسم الكاريكاتوري كان حاضرا، ''حتى حنا كان عندنا أيوب الخبر''. وفي هذا الصدد، استحضر عمي الطاهر حادثة وقعت لضابط فرنسي قام بتفتيش منزل بجبل مساعد ببوسعادة، بعد ترحيل من كان فيه، فوجد مسدسا قديما مخبأ في أخشاب السقف، فبدأ في استعماله بوضع يده على الزناد فلم يتجاوب المسدس، ثم وضعه في رأسه ولسوء حظه خرجت الرصاصة فقتلته. هذه الحادثة، يقول المجاهد الطاهر، اطّلعت عليها فرنسا في اليوم الموالي في منشور خاص. كما كان لهذه الولاية نظام صحي يشرف عليه الشهيد بشير بن ناصر والشريف خير الدين، حيث لم تتمكن فرنسا من اختراقه للتعرف على المجاهدين المصابين والمرضى. وبخصوص العلاقات التي كانت تجمع قادة الولايات التاريخية وصفها محدثنا ب''الممتازة''. وحسبه، فإن الفضل يعود للولاية السادسة في إمدادهم بالتموين والأموال والسلاح، باستغلال تضاريسها الطبيعية وفك الحصار عنهم، وكانت المؤونة والأسلحة والذخيرة تمر عبر خط المسيلة- بجاية وذراع الميزان، أو التوجه إلى الحدود الشرقية لجلب الأسلحة.. كل ذلك بتخطيط من سي الحواس، الذي كان يمتاز بالذكاء وإلمامه بأسلوب المخابرات، وصرامته في التعامل، والتشبع بقيم الوطنية، حتى أنه ''لو تعصره سيقول لك الجزائر''. ويقول كاتبه عمي الطاهر إن الثقة الكبيرة التي كانت تجمعهما سمحت لسي الحواس بالإمضاء على بياض عند تنقله في مهمات، وفي إحدى المرات عندما كان الرجلان بنواحي جبال غوفي أمضى له على ورقة بيضاء، وعندما همّ بالانصراف قال له مازحا ''إذا أردت أن تحوّلني إلى خائن فلك ذلك''. والأمر نفسه بالنسبة للعقيد شعباني، الذي قال إنه كان وطنيا مخلصا صبورا، وكان لا يأكل إلا بعد أن يشبع الجميع. وهنا يتذكر عمي الطاهر حادثة بسيطة، حيث تحصّل المجاهدون على كمية قليلة من ''الكسرة'' من أحد المواطنين فتقاسمها الجميع، لكن شعباني فضّل المبيت على الطوى وآثر بقسطه رفاقه. جيش الولاية السادسة فتح العاصمة وقدّمها لقيادة الأركان يؤكد المجاهد الطاهر لعجال أن المشاكل والخلافات بدأت مباشرة بعد مؤتمر طرابلس وبروز الصراعات على السلطة، حيث كانت الولايتان السادسة والأولى من مؤيدي قيادة الأركان، واستضاف شعباني أعضاء القيادة وأحمد بن بلة ببوسعادة، ونزلوا في نزل ''ترانزات''، كردادة حاليا، إلى غاية سيطرة جيش الولاية السادسة على العاصمة ودخول بومدين وجماعته وتسلمه أول ثكنة عسكرية ببئر الخادم، وتمت إعادة نشر الجيش، وهنا يقول عمي الطاهر حُسم أمر قيادة الجزائر المستقلة وتكوّنت الحكومة الأولى. شعباني رفض إمضاء العفو وجنّب من سُجن معه المسؤولية يقول المجاهد الطاهر لعجال إن بن بلة دمّر العقيد شعباني وكان يراه خطرا عليه، ونفّذ مخطط التخلص منه بكسر الموالين له؛ ففي إحدى اجتماعات اللجنة المركزية تقدّم بن بلة باقتراح مشروع الميليشيا الشعبية فقرأه بالفرنسية، وقال من يعارض يرفع يده، ''فرفعت يدي بحجة وجود قوى نظامية، كالجيش والدرك والحرس الجمهوري، وإنشاء الميليشيا ستنجم عنه فوضى، لأنها عبارة عن جيش مدني''، فقال لي ''أنت أفافاس''، فرديّت عليه: ''إذا أنت ترى ذلك فأنا أفافاس''، ثم تدخّل بومدين وصرح ''وين راه المشكل؟''، ثم رُفعت الجلسة، وبمجرد وصولي إلى البيت اتصل بي بن بلة هاتفيا قائلا: ''جيب معاك محمد جغابة وارواح''، والمكالمة نفسها كانت مع محمد جغابة، فالتقينا ونحن في الطريق إلى فيلا ''جولي''. وبعد حديث ساخن، دام ساعة و10 دقائق، قال أحمد بن بلة: ''قررت كاين مجموعة سأضعها في الحبس''، فقلت له ''إذا كنت أنت مخلص فحنا نخلّصوا، وإذا كنا نحن مخلصين لهذا الوطن فدون شك راك تخلّص''. وتمت عملية الاعتقال، رغم تمتعنا بالحصانة آنذاك، بالنظر إلى أننا كنا نواب الشعب ووضعونا في فيلا. وهناك -يقول المجاهد لعجال- وجدنا فرحات عباس والرائد عز الدين والمحامي بن التومي، وكانت جريدة ''الشعب''، آنذاك تصفنا، ب''أعداء الثورة''. بعد وقوع قضية اعتقال شعباني حُوّل الجميع إلى وهران للمحاكمة، وهناك التقينا في حبس سيدي الهواري بعدد هام من الشخصيات، هي محمد جغابة، السعيد عبادو، سليمان با سليمان، الشريف خير الدين وحسين ساسي وشخصيات أخرى ألصقت بها تهمة ''مساندة الأفافاس''، كأحمد طالب الإبراهيمي ومسعود آيت شعلال والرائد بن أحمد، المدعو مراد موسى، وكانوا مقيدين بالسلاسل. وكان الجميع مجردا من ملابسه، إلا الداخلية فقط. وآخر مرة التقى فيها عمي الطاهر بشعباني كانت عندما طلب منه بن بلة التنقل إلى العاصمة لرؤيته، وفي الهاتف تحدث مع هذا الأخير لمدة طويلة، فاقت 45 دقيقة، واحتدم النقاش بينهما، بعدما أمره بن بلة بأن يجهّز جيشه ويتوجه إلى منطقة القبائل لمواجهة جماعة الأفافاس، لكن شعباني رفض ذلك رفضا نهائيا، وقال له ''تقاتلنا في 62؟ من المسؤول عن سقوط تلك الأرواح؟''، وعرض عليه أن يشرف على ناحية أخرى ويغادر بسكرة. وأثناء رحلته إلى العاصمة، رفقة عمي الطاهر، قال شعباني عند وصولهما جبال منطقة الجب، بني سليمان حاليا بنواحي بوسعادة، التي عرفت عدة معارك رفع يديه وقال ''الله لا يرجّعنا لهذه الجبال''، ثم قلت له ''يا سي محمد روح تزوج وكوّن أسرة وبعّد نهائيا''، لكنه رد عليّ: ''ما نتزوج ما نخلي مشكلة ورائي لازم نموت''. وبخصوص حكم الإعدام، يقول المجاهد الطاهر لعجال إن السعيد عبيد وأحمد دراية طلبا منه أن يوقع طلب العفو لكنه رفض، وكان يرفض المساس بالرفاق الذين كانوا معه، وتحمّل المسؤولية وحده كاملة، رغم أن بن بلة كان يريد إقحامنا. وبشأن المسؤول عن إعدام شعباني، يتذكر عمي الطاهر ما قاله له علي منجلي، بعد خروجه من السجن، حيث أكد ''شعباني قتلناه جميعا''. وبعد حادثة الإعدام أمر بن بلة بتحويلنا إلى العاصمة، فوضعونا في غرف حفظ الجثث، خلال ثلاثة أيام كاملة لم يجدوا ملابسنا. وبعد ذلك عشنا أيام العز، حيث ركبنا سيارات فخمة ومنحونا الخدم، لكن سرعان ما حولونا إلى مركز التعذيب بدار السيدة الإفريقية بالعاصمة، وهناك وجدنا حسين آيت أحمد، الذي لم يرتشف القهوة طيلة 10 أيام. طلّقت الأفالان يوم تحوّل إلى حزب سألنا المجاهد الطاهر لعجال عن رأيه في الحراك الذي تعرفه، الآن، جبهة التحرير الوطني، حيث وصفه ب''الكارثي''، ويكفي برأيه أنها لم تعد لها لا قسمة ولا نضالا ولا تطوعا ولا قدرة على التجنيد، مشيرا إلى أنه طلّق جبهة التحرير في 31 ديسمبر 1983، عندما تحوّلت إلى حزب حينها، يقول عمي الطاهر، ''أدركت أنها قُزّمت، لأنها ملك لكل الجزائريين''. وهنا يتذكر المجاهد الطاهر لعجال لقاءه بمبعوث الأمين العام السابق، عبد العزيز بلخادم، ممثلا في شخص بلعياط، من أجل عودته إلى صفوف الحزب وعضوية اللجنة المركزية، عشية انعقاد المؤتمر الأخير، لكن عمي الطاهر رفض العرض واشترط نزع كلمة حزب والعودة إلى التسمية القديمة. .