الحرب التي أعلنتها فرنسا على التخوم الجنوبية للجزائر، بذريعة حماية الوحدة الترابية لدولة مالي من الإرهاب الإسلامي، تبدو، في الظاهر، حسب الدعاية الفرنسية، مبرّرة لإيهام الرأي العام الغربي بضرورة خوضها، ولمخاتلة ساسة الحكم في الجزائر لمباركتها، بالترخيص للطيران الحربي الفرنسي باستعمال المجال الجوي الجزائري لقنبلة مدينة تمبوكتو التي أعلنها أولئك..؟عاصمة لدولة إسلامية مستقلة على الحدود الجنوبية للجزائر. في حين أن الهدف الحقيقي المخفي لهذه الحرب، الذي تتستر عليه فرنسا، هو غير ذلك، بل مناقض لما تم الإعلان عنه. فالحرب الدائرة على التخوم الجنوبية للجزائر، في حقيقة الأمر، هي مقدمة لتنفيذ مشروع استعماري يبدأ بخريف عربي في الجزائر، تنفخ رياح عواصفه أطراف خارجية، بالتواطؤ مع جهات داخلية نافذة، لتنتهي بميلاد دولة الساحل الإفريقي المطلة على المحيط الأطلسي، والتي تشمل مساحتها الجغرافية، بالإضافة إلى الجنوبالجزائري، إقليم الصحراء الغربية. وللتذكير، فإن مشروع فصل جنوبالجزائر عن شمالها حلم قديم راود فرنسا منذ الأشهر الثلاثة التي سبقت إعلان الدولة الجزائرية لاسترجاع استقلالها سنة 1962 . نحن على علم به وهو ثابت لدينا تبعا للواقع الآتية: 1- عرض فرنسا على العقيد محمد شعباني، قائد الولاية السادسة التي تشمل الجنوبالجزائري خلال ثورة التحرير، بأن تدعم إعلان نفسه ملكا أو رئيسا لدولة مستقلة منفصلة عن الشمال. ومن الثابت تاريخيا، أيضا، أن رفض العقيد محمد شعباني لهذا العرض المغري كلفه حياته، إذ رتّبت فرنسا بطريقة ذكية جدا عملية اغتياله، وقد تم ذلك بمحاكمة صورية أمر بها الرئيس بن بلة، وكان بعض أعضائها من ضباط فرنسا الذين التحقوا بثورة التحرير في..؟! وفعلا، فقد تم إعدام العقيد محمد شعباني، بمباركة الرئيس بومدين بصمته، باعتباره رئيسا للجمهورية بالنيابة، وقد كانت الكلمة الأخيرة للعقيد المغدور به لرفاقه في السجن: إن فرنسا وراء إعدامه، جراء رفضه ما عرضت عليه. 2- في مطلع العشرية الثامنة من القرن الماضي، أعادت فرنسا مشروع فصل جنوبالجزائر للحياة، وأوصت بتنفيذه للزعيم الليبي معمر القذافي، الذي رعى في تجسيده ميلاد الجماهيريّة العربية الليبية العظمى، فدعمه بالمال والرجال الذين فتح لتدريبهم معسكرات خاصة. وقد تصدت لإجهاض هذا المشروع، في صمت وهدوء خفي، ثلّة قليلة من الوطنيين من داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية. 3- بعد عشر سنوات، وموازاة مع انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي وتلاشي الاتحاد السوفياتي، بُعث المشروع الاستعماري مجددا لتنفيذه في إطار نظام عالمي جديد، يقضي بإزالة ثلاث دول من الخريطة السياسية للعالم، هي الجزائر، ويوغسلافيا وقد زالت، ثم العراق وقد دُمّر وهو في طريق التقسيم ثم الزوال. وكانت الجزائر، بحدودها الجغرافية، في مقدمة هذه الدول، فأوكلت فرنسا لطابورها الخامس في الجزائر مهمة إيجاد مبرّرات تدخل قوات أجنبية، بقرار من مجلس الأمن الدولي، وتحقيق خطة ذلك كان بإرباك المؤسسة العسكرية وتشويه صورتها، وطنيا ودوليا، بجعلها مسؤولة عن فراغ دستوري يتولى هذا الطابور ملأه، بشكل يمكّنه من إشعال فتيل حرب أهلية يكون الجيش طرفا فيها، وهو الأمر الذي يخلق مبررات تدخل مجلس الأمن الدولي، لإصدار قرار إرسال قوات أممية تُسند لها مهمة فرض الأمن بين الأطراف المتنازعة، وتثبيت انقسام الدولة الجزائرية إلى ثلاث دويلات. وللتذكير، فما كان الحديث الذي تناقلته وسائل الإعلام الغربي، شهري ديسمبر 1991 وجانفي 1992 ، عن المفاعل النووي بعين وسارة سوى ذريعة لتنفيذ ذلك المشروع، الذي لقي تأييدا وتواطؤا من الطابور الخامس في الجزائر، وقد تطلّب إسقاط هذا المشروع، والنأي بوحدة الجزائر من خطر التقسيم تضحيات جسام، كان لابد من تقديمها، تجعل الشعب الجزائري مدينا لأولئك الرجال الذين طالما انتقدهم وألصق بهم مثالب غيرهم من مسيريه. إن التحذير من مشروع تقسيم الوطن الجزائري ليس حديثا مفترى أو هذيانا وجنوح خيال، بل هو الموقف الفرنسي الرسمي الذي كشف عنه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، ميشال جوبير، بقوله، في خطاب له سنة 1974 : ''حتى يكون هناك توازن أمني في منطقة شمال إفريقيا يجب تقسيم الجزائر إلى أربع دول''!؟ ألا يكفي كل ذلك لإقناع التيار العلماني وساسة الحكم في الجزائر أن يكفوا عن التنازلات، دون مقابل، لفرنسا التي ما فتئت تكيد المكائد للجزائر. وليعلم الجميع، أن المخابرات الفرنسية متورطة، حتى النخاع، في عمليات إرهابية ارتكبت في الجزائر وفي فرنسا، باسم الإسلاميين الذين آوتهم سنتي 1991 و1992 وما بعدهما، وفتحت لهم أبوابها على مصراعيها، ثم جندت العديد منهم للعمل على تشويه وسطية الإسلام وضرب قيمه، بقطع رقاب الأبرياء في الجزائر وحيث ما كانوا في البلاد الإسلامية. فهل يعقل أن يتم انتقال القاعدة وفروعها (الجهادية؟)، بمخازن سلاحها، من القارة الآسيوية إلى القارة الإفريقية دون علم وتدعيم لوجيستيكي من الغرب، المتطور جدا في رصد كل ما يتحرك على وجه الكرة الأرضية. بصراحة تلك هي الحقيقة التي ستثير غضب الطابور الخامس، وتسعر حفيظة حقد نعاجه الجرباء لشنّ حملة شعواء قد تذهب إلى حدّ..!؟