احتفل رئيس الوزراء التركي، طيب رجب أردوغان، منتصف الشهر المنصرم، بمرور عشر سنوات على وجوده على رأس الجهاز التنفيذي في تركيا. وهي أطول فترة من الحكم المتواصل يقضيها سياسي تركي، أتاحت له إمكانية تحقيق إنجازات وضعت تركيا على طريق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. تركيا تخرج من عنق الزجاجة في ظرف عشر سنوات فلسفة أردوغان في التسيير.. أو لمّا يتحدّث ''الإسلاميون'' لغة الاقتصاد بعد مرور عشر سنوات من قيادة الطيب رجب أردوغان للحكومة التركية، تمكنت تركيا من تسديد آخر قسط من ديونها لصندوق النقد الدولي، مع العلم أنه لدى توليه مقاليد الحكومة كانت البلاد ترزح تحت ضغط ديون قدرت، سنة 2003، بحوالي 23 مليار دولار، لتصبح اليوم سادس اقتصاد في القارة الأوروبية، ومن أقوى الاقتصادات عبر العالم من حيث النمو. ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن إنجازات تركيا الاقتصادية بمثابة ''المعجزة''، بالنظر لقدرتها على بعث صناعة محلية متنوعة باتت تنافس أشرس الصناعات، وفي مقدمتها الصين ودول الاتحاد الأوروبي. فلم تعتمد حكومة أردوغان على ثروة طبيعية واحدة، بقدر ما سعت لخلق فضاء اقتصادي تنافسي متنوع. ويرى المتابعون للشأن التركي أنه يحق لطيب رجب أردوغان الاحتفال بإنجازاته والشعور بالفخر، فهو العائد للممارسة السياسية من بعيد، بعدما قضت محكمة تركية بمنعه من مزاولة أي نشاط سياسي، أو حتى تولي مناصب في القطاع العمومي، ولولا الفوز الساحق الذي حققه حزب ''العدالة والتنمية'' في انتخابات 2002، ومن ثمّ إجراء تعديلات دستورية، لما تمكن من العودة للساحة السياسية من الباب الواسع. غير أن هذه المرة كانت العودة بطموح لا متناه، ورغبة في رد الاعتبار لشخصه، وللتيار الذي ينتمي إليه، التيار الإسلامي الذي تربى في كنفه وناضل في صفوفه، إلى جانب من يمكن اعتباره والده الروحي وعرّابه السياسي، نجم الدين أربكان، فترة السبعينيات ضمن حزب ''الخلاص الوطني''، حيث عانى هذا التيار الإقصاء من الساحة السياسية، بحكم التقاليد العلمانية التي أرساها الأب الأول وواضع أسس الدولة التركية الحديثة، مصطفى كمال آتاتورك. ولم يكن أردوغان يجهل أن طموحه سيصطدم، عاجلا أو آجلا، مع المؤسسة العسكرية، التي يُنظر لها في تركيا على أنها حامية الجمهورية ومبادئ العلمانية، تماما مثلما كان يدرك أنه سيواجه عصبة من النافذين من أصحاب المال، الذين شكّلوا ما يشبه التحالف بين طبقة سياسية ونخبة ثقافية وإعلامية، تنظر لحزب ''العدالة والتنمية'' بعين الريبة، كونه محسوبا على التيار الإسلامي. غير أن أردوغان، الذي استفاد من الدروس السابقة، لم يسعى لفتح جبهة الصراع، بقدر ما عمل على تحقيق إنجازات ملموسة للمواطن التركي، فانكبت حكومته على حلّ مشكلات الأتراك اليومية، بدءا من أزمة المياه والمواصلات والسكن والتعليم والصحة، وغيرها من المشكلات التي أحدثت فارقا في يوميات المواطن التركي. هذا الأخير الذي بات يتلمّس نتائج سياسة أردوغان، الذي استفاد، هو بدوره، من تجربة سابقة في التسيير خلال ترأسه مدينة إسطنبول، والتي تمكّن من جعلها واحدة من أكثر الوجهات استقطابا للسياح، من خلال عصرنتها والحفاظ على نمطها وعبقها التاريخي. أتت سياسة حكومة أردوغان ثمارها، إذ ارتفعت شعبيته وصار بمثابة ''القائد'' الجديد للبلاد، واتضح ذلك في نتائج الانتخابات سنة 2008، والتي فاز بها حزب ''العدالة والتنمية'' بأغلبية ساحقة، سمحت للحزب بتشكيل الحكومة، ويتولى بذلك أردوغان فترة ثانية من الحكم، باعتباره رئيس الحزب، بعدما دخل عبد الله غول، رئيس الحزب السابق، قصر الرئاسة، لينفرد الحزب ذو الاتجاه الإسلامي بالحكم. واستند على إنجازاته الاقتصادية وشعبيته المتزايدة وشرعيته المستمدة من الانتخابات، اتجه أردوغان إلى مواجهة مشكلات أكبر كان يعتبر أنها تعيق مشروعه، ويتعلق الأمر بالتخلص من هيمنة المؤسسة العسكرية والنافذين فيها، لوضع حد لتدخلهم في الحياة السياسية للبلاد بحجة أنهم حماة العلمانية. الأمر الذي جعل أردوغان يبادر لتكذيب أي اتهام متعلق بسعيه للتخلي عن مدنية الدولة التركية، من خلال تأكيده أنه مسلم وليس إسلاميا، مشيرا إلى احترامه للمبادئ التي قامت عليها الجمهورية، ومذكرا أنه لا يمكن لأي كان أن يتجاهل كون غالبية الشعب التركي من المسلمين، وبالتالي سعيه لإزالة بعض القوانين التي اعتبرها أردوغان لا تحترم هوية الشعب، من قبيل منع المحجبات من الدخول للأماكن العمومية بزيّ المسلمات، ولعل هذا ما جعل رئيس الوزراء التركي يدفع بالسيدة أمينة، زوجته المحجبة، إلى جانبه في المحافل المحلية والدولية. وبالفعل تمكن الزعيم التركي الجديد من تحييد المؤسسة العسكرية، بعد محاكمة اعتبرها الكثيرون تاريخية في تركيا الحديثة، إذ حوكم عدد من الجنرالات بتهمة التآمر للقيام بانقلاب عسكري، ليزيح آخر عقبة أمامه ليكون الحاكم دون منازع في البلاد. ولأن طموح أردوغان أخذ في التوسع، مع تخطيه العقبات، فقد وضع نصب أعينه النجاح فيما أخفق فيه آتاتورك، وهو جعل تركيا دولة أوروبية رسميا. لكن بالرغم من الإصرار والاجتهاد الاقتصادي، والعمل على الاستجابة لكل شروط الاتحاد، اتضح أن دول الاتحاد غير مقتنعة بضم الهلال التركي ضمن نجوم الراية الأوروبية الزرقاء، فيما بات أردوغان يزداد قناعة أن اتهام تركيا بعدم احترام حقوق الأكراد، والإصرار على تقديم الاعتذار على ما حدث للأرمن، مجرد مبررات لعدم قبولها ضمن دول الاتحاد الأوروبي. ما جعل أردوغان يؤكد أن تركيا قادرة على أن تكون قوة اقتصادية وسياسية، حتى إن لم تكن ضمن الاتحاد الأوروبي، لتبدأ مرحلة التفكير في التوسع في المنطقة العربية والإسلامية، سيما وأنها تملك إرثا تاريخيا ومجدا في المنطقة، سيسعى أردوغان لاستعادته ليكون أول العثمانيين الجدد. الجزائر: سامية بلقاضي
هل ينجح في ما أخفق فيه أتاتورك؟ الأكراد.. مطية أردوغان لقصر الرئاسة يرى المختصون في القضية التركية أن اهتمام رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، بالتسريع من وتيرة إيجاد حل للمسألة الكردية مرده سببين اثنين: أحدهما داخلي، والآخر خارجي، في إشارة إلى أن القضية الكردية، العالقة منذ تأسيس تركيا الحديثة، باتت تعرف مرحلة مفصلية، عقب توصل الحكومة إلى اتفاق مبدئي مع زعيم حزب العمل الكردستاني، عبد الله أوجلان، المسجون منذ أكثر من عشر سنوات. والحديث عن إقامة فيدرالية كردية في سوريا، عقب الإطاحة بالنظام، وإن بدا سابقا لأوانه بالنسبة للكثيرين، وعلى الرغم من رفض تركيا لهذا الطرح، إلا أن مجرد الطموح لإقامة فيدرالية، على شاكلة ما يتمتع به أكراد العراق، من شأنه تقوية موقف أكراد تركيا، لذا يستعجل أردوغان لإيجاد حل توافقي، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، في ظل الترسيم الجديد للمنطقة، والأخذ بعين الاعتبار حقوق الأقليات. لكن يبقى السبب الرئيسي، من وجهة نظر المتابعين لمسار أردوغان السياسي، رغبته في اعتلاء سدة الحكم في البلاد لفترة أطول، من خلال جلوسه على كرسي الرئاسة في الانتخابات المقررة السنة المقبلة. وحتى يتمكن من تحقيق ذلك لا بد من إجراء تعديل دستوري، بمساعدة أصوات تكتل النواب الأكراد في البرلمان التركي، لضمان 330 صوت اللازمة لعرض الدستور الجديد، الذي يريده أردوغان على الاستفتاء الشعبي. في تأكيد على أن رئيس الوزراء التركي، وإن ضمن أصوات الشعب، لا يضمن غالبية أصوات نواب البرلمان، خاصة من معارضيه، الذين لا ينوون تمكينه من الوصول لقصر الرئاسة وحكم تركيا لفترة أطول. من هذا المنطلق، يعتقد الكثيرون أن خطوة أردوغان باتجاه الأكراد تستجيب لأكثر من مصلحة، أهمها إنهاء النزعة الانفصالية للأكراد، بمنحهم ما يشبه الحكم الذاتي الموسع وجميع الحقوق السياسية والثقافية، من قبيل الاعتراف باللغة الكردية لغة وطنية ورسمية في الدستور الجديد، وتمكين المتكلمين بها من الدراسة واستعمالها في الأوراق الرسمية، وما إلى ذلك من حقوق يطالب بها أكراد تركيا منذ أكثر من تسعين سنة. ومن ناحية أخرى، وفي حال نجح أردوغان في إغلاق القضية الكردية، يكون قد نزع عن الاتحاد الأوروبي حجة الاستمرار في إبقاء تركيا على عتبة الاتحاد، على اعتبار أن تهمة عدم احترام حقوق الأقلية الكردية من الحجج التي تلح بها دول الاتحاد لرفض انضمام تركيا للاتحاد. الجزائر: س. بلقاضي
العثمانيون الجدد في عهد أردوغان رحلة استعادة المجد الضائع وجدت تركيا معارضة فرنسية شديدة، خلال فترة رئاسة نيكولا ساركوزي، الذي اعتبر أن تركيا المسلمة لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دفع أردوغان إلى التفكير في توجيه الأنظار إلى منطقة أخرى بإمكانها أن تضمن أسواقا جديدة للاقتصاد التركي، ونفوذا يتيح لها أداء دور إقليمي يتماشى مع مكانتها، فكانت المنطقة العربية والإسلامية، التي سبق لتركيا العثمانية السيطرة عليها. وأول من استعمل عبارة ''العثمانيون الجدد'' هو وزير خارجية تركيا، أحمد داوود أغلو، خلال لقاء مع نواب حزب ''العدالة والتنمية''، بعبارة تداولها المهتمون بالشأن التركي، باعتبارها تلخّص الرؤية التركية لسياستها الخارجية: ''إن لدينا ميراثا آل إلينينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. ونجد أنفسنا ملزمون بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا. نحن ننفتح على العالم كله، حتى في شمال إفريقيا، والدول العظمى تتابعنا بدهشة وتعجب''. وبالفعل عملت تركيا أردوغان على فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الدول العربية، كانت انطلاقتها مع دول الجوار، لتتحول سوريا والعراق إلى دول صديقة وحليفة، بداعي المصلحة الاقتصادية وحسن الجوار، والحال أن الاقتصاد التركي كان في حاجة ملحة إلى أسواق جديدة في المنطقة، للحفاظ على نسبة النمو التي بلغها، ولعل هذا ما دفع الحكومة إلى إقامة علاقات متنوعة مع إسرائيل، على الرغم من التوجه الإسلامي للحكومة، في خطوة أكدت براغماتية أردوغان. لكن هذا الأخير عرف، بشخصيته القوية، كيف يضع ضوابط للعلاقة مع إسرائيل، إذ أرادها علاقة قائمة على الندّية والمصالح المشتركة. والمثير أن إسرائيل كانت بوابة أردوغان للتسلل إلى المنطقة العربية، ولقلوب شريحة واسعة من شعوبها. حدث ذلك سنة 2009، خلال قمة ''دافوس''، التي حضرها رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، والرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز الذي راح يبرر العدوان على قطاع غزة، لينتفض أردوغان، رافضا مبررات ''قتل الأطفال والنساء''، ومسجلا موقفا تاريخيا في مساره السياسي، حين رفض البقاء في القمة، لمنعه من الرد على الرئيس الإسرائيلي. وقد كشفت هذه الحادثة عن شخصية أردوغان القوية والرافضة للخضوع. والعارفون للرجل يؤكدون أنه تصرف وفقا للحظة، دون تحضير أو ترتيب مسبق، ولعل تلك العفوية هي ما جعل الكثيرين، في العالمين العربي والإسلامي، يهللون لظهور قائد مسلم عرف كيف يرد على رئيس دولة تعتبرها الشعوب الإسلامية مغتصبة. المثير أن جماهير غفيرة سارعت نحو سفارات تركية في الدول العربية، رافعة صور أردوغان، الذي تحوّل إلى ''بطل'' وزعيم قومي، في مخيلة شعوب ضاقت بتهاون واستسلام حكامها. وقد عرف أردوغان، بعد ذلك، كيف يلعب على هذا الوتر الجديد، إذ لم يدخر فرصة للتنديد بسياسة إسرائيل القمعية في حق الفلسطينيين، لدرجة تحولت القضية الفلسطينية إلى حصان معركة لأردوغان، وسبب نزاع مباشر مع صديق الأمس، خاصة عقب الهجوم على القافلة الإنسانية التركية ''مرمرة''. والأكيد أن حصول تركيا على اعتذار إسرائيلي زاد من شعبية رئيس الوزراء التركي. وقد نجحت حكومة أردوغان من تحصيل العديد من الاستثمارات في الدول العربية، التي وجدت في تركيا أردوغان نموذجا قد يكون صالحا لها، من خلال الجمع بين إسلام معتدل ودولة عصرية. لكن النزعة التوسعية لتركيا أردوغان باتت تواجه جملة من المشكلات، في مقدمتها فتح بؤرة توتر أمني على حدودها الجنوبية مع سوريا وقيامها برعاية المعارضة المسلحة، مع العلم أن أنقرة طالما نددت بقيام دول الجوار باستقبال من تسميهم الانفصاليين الأكراد. ويرى المراقبون أن أهم ما صنع قوة فترة حكم أردوغان هو الاستقرار السياسي والأمني، في إشارة إلى أنه قد يكون من الخطأ فتح جبهة للتوتر، خاصة وأن فتح أراضيها للاجئين السوريين بات يُثقل كاهلها، مع استمرار النزاع في سوريا لفترة طويلة. في المقابل، يشير بعض العارفين بالسياسية التركية إلى أن ما يحدث في سوريا فرصة تركيا للتأكيد على أنها ''القوة الإقليمية''، وليس فقط قوة إقليمية ضمن قوى أخرى. غير أن هذا السعي التركي، فيما يبدو، لبسط النفوذ على أطلال الإمبراطورية العثمانية،مرة أخرى، اصطدم بقوى منافسة، قوى تظهر لأول مرة تريد التمركز على الخريطة الجديدة، وأخرى أكثر عراقة تبحث عن استعادة مجدها. الجزائر: س. بلقاضي
الكاتب الصحفي المصري مكرم محمد أحمد ل''الخبر'' أردوغان انتصر على العسكر بفضل الإنجاز الاقتصادي ودعم الشعب
رفض الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا إليه دعم توجهها نحو العالم الإسلامي
ماذا حقق حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة أردوغان، خلال السنوات العشر الأخيرة؟ لا أحد يمكنه أن ينكر ما حققه حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة رجب طيب أردوغان، خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث أصبحت تركيا سادس أكبر اقتصاد في أوروبا، وفي المرتبة السادسة عشر عالميا، وأصبح لها دور إقليمي متزايد، خاصة أن لديها موقعا هاما بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وقد قامت بتصحيح علاقاتها مع إسرائيل، بما يسمح من إقامة علاقات تركية عربية إسرائيلية متوازنة. كما أن رجب طيب أردوغان وضع فك الحصار على غزة كأحد الشروط الضرورية لإعادة تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع تركيا. كيف استطاع أردوغان أن يروّض المؤسسة العسكرية العلمانية القوية، ويثبّت أقدام الإسلاميين في الحكم؟ حزب ''العدالة والتنمية''، بقيادة أردوغان، تمكن من تحقيق نمو اقتصادي استفادت منه مختلف طبقات المجتمع التركي، ما جعل الحزب يقف على أرضية شعبية صلبة، ومكنه ذلك من أن يحسم صراعه مع المؤسسة العسكرية بشكل بسيط، وهذا الانتصار حققه أردوغان بفضل الإنجاز الاقتصادي الذي وصلت آثاره إلى عموم الشعب التركي. بالرغم من النجاح السياسي والاقتصادي لأردوغان وحزبه، إلا أنه، لحد الآن، لم يتمكن من تسوية المشكلة الكردية، فلماذا أخفق أردوغان في هذه المسألة؟ للأسف هناك إنكار لوجود أكراد في تركيا، بل محاولة لسحق الهوية الكردية، ونأمل أن المفاوضات التي تجريها الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني تفضي إلى رؤية أوسع لحل هذه القضية. فيجب على حزب ''العدالة والتنمية'' أن يتطور ويسلم بتعدد الثقافات داخل الدولة الواحدة، ويقبل بفكرة التعايش بين مختلف الأعراق لأن في ذلك ثراء للبلد. لأن الاعتقاد بأن الاعتماد على حل عسكري للمشكلة الكردية سيستنزف من تركيا المزيد من الوقت والدماء، خاصة وأن الأوضاع على حدودها الجنوبية ليست مستقرة، في سوريا وإيران. لذلك لا بد على حكومة أردوغان أن تقبل بفكرة التعايش مع الأكراد، وتقبل بحقهم في الحكم الذاتي. هل فشل أردوغان في إقناع دول الاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى ناديهم هو ما دفعه إلى الالتفات جنوبا؟ رفض الاتحاد الأوروبي ضم تركيا إلى أعضائه كان في مصلحة العرب، إذ إن أزمة الهوية قوّت توجه الأتراك نحو العالم العربي والإسلامي، خاصة وأن الشعب التركي مسلم، وهذه الهوية التي برزت هي التي أعطت زخما لهذا التوجه، رغم أن هناك من يعيب على حكومة أردوغان اهتمامها بمصالح الشعب التركي. لكن هذا من حقها مادام أن ذلك لا يكون على حساب مصالح شركائها. أردوغان أعلن بأنه لن يترشح لعهدة أخرى، هل غياب هذا الرجل الكاريزمي عن الساحة التركية سيؤثّر على التقدم الذي أحرزته تركيا في عهده؟ أتصور بأن أردوغان لا بد وأن يكون قد أرسى سياسة شاملة، بحيث لا تعود العربة إلى الوراء بعد انسحابه من قيادتها، كما أعتقد أن ما تحقق في عهد أردوغان تراث لا بد من الحفاظ عليه. الجزائر: حاوره مصطفى دالع