علي فضيل: [email protected] تتجه الأنظار إلى تركيا لمعرفة مآل ونتائج الإنتخابات البرلمانية التي جرت أمس، وسجلت مشاركة شعبية واسعة نظرا لاحتدام الصراع والتنافس بين الأحزاب العلمانية بقيادة حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الإسلامية بزعامة حزب العدالة والتنمية. وتُشكل الانتخابات التشريعية التركية أهمية تاريخية واستراتيجية بالغة سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي والعالمي. بالنظر إلى ماتمثله تركيا من ثقل اقتصادي واستراتيجي وخصوصية دينية وثقافية مميزة، مع استحضار الإرث الحضاري العريق والرصيد التاريخي الكبير، فضلا عن الجدل المثير الحاصل في أوروبا بين معارض ومؤيد لانضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي. هناك عناوين مختلفة للمعركة الانتخابية الجديدة، فبعض الملاحظين يرى أنها معركة الإسلام المعتدل والعلمانية اللائكية وبعضهم يرى أنها معركة المدنيين مع "البيروقراطية العسكرية" أو امتحان الغرب وحضارته في تركيا، و بعبارة أخرى معركة التاريخ "الامبراطورية العثمانية" مع القوى الكبرى المعاصرة "أوروبا وأمريكا"، ومهما قيل، فإنها تبقى معركة رجب طيب أردوغان، كنموذج ووجه استثنائي للحياة السياسية التركية نجح في كسر المعادلة التاريخية في احتكار العلمانية المتطرفة للحياة العامة وكسر شوكة العسكر وتقليم أظافرهم وهم المعروفون تاريخيا بأنهم حراس "المعبد العلماني" التركي العنيد. كما نجح حزب العدالة والتنمية بقيادة "أردوغان" في إعادة هيكلة الحركة الإسلامية التركية في برامجها وتوجهاتها وشعاراتها وخاصة تصالحها وزواجها مع العلمانية "اللادينية"، لولادة ما يمكن تسميته بالعلمانية "المؤمنة" وهي نقلة نوعية لنموذج الإسلام السياسي النمطي إلى درجة قصوى في البراغماتية والعملتية والديمقراطية والحداثة، قربته أكثر إلى نموذج الأحزاب الأوروبية المسيحية وما يعرف بالديمقراطية المسيحية.. وفضلا عن نجاح أردوغان وحزبه في التصالح مع العلمانية والتكيف مع بعض عناصرها، فقد نجح أيضا في الميدان الاقتصادي، حيث استفادت تركيا من الاستقرار السياسي والأمني الذي وفره حزب العدالة والتنمية لتسجل أكبر نسبة في تاريخها في النمو الاقتصادي 7%، وتمكنت حكومة أردوغان من تخفيض نسبة التضخم من 70 % إلى 10%، كما رفعت من قيمة الليرة التركية التي كانت في الحضيض. هذه المكاسب ووالانجازات تؤهل حزب العدالة والتنمية إلى كسب ثقة الناخبين الأتراك مرة أخرى وحصد أصواتهم للفوز بالأغلبية البرلمانية المريحة وهو ما أظهرته نتائج الفرز الأولية مساء أمس.. لكن يبقى حزب العدالة والتنمية يثير تساؤلات المراقبين حول تنازلاته الكبيرة للعلمانية وللعسكر وخاصة مواقفه الخارجية كعلاقاته الاستراتيجية العميقة مع إسرائيل وموقفه من الأحداث الجارية في العراق وبراغماتيته المفرطة التي جعلته يفقد بعض عناصر الجاذبية والبريق.