بعد عامين من إعلان تبنيها (15 أفريل 2011)، تشارف إصلاحات الرئيس بوتفليقة على الانتهاء بتعديل الدستور، في ''محطة أخيرة'' كان يفترض، حسب المراقبين، أن تكون الأولى في الإصلاحات لإعطائها معناها الحقيقي. تمر اليوم سنتان على الخطاب الشهير للرئيس بوتفليقة، خطاب الإصلاحات السياسية، التي دحرجت تعديل الدستور إلى ذيل ترتيب، بدءا بمراجعة سبعة قوانين قدمت، في نظر البعض، على أنها ''طعم'' لقياس درجة قبول أو رفض الشركاء السياسيين حيال الوثيقة الأكبر والأخطر والأهم، وهي وثيقة تعديل الدستور، فوجدت السلطة أمامها جبهة معارضة قوية تتهمها بإفراغ الإصلاحات من محتواها، بمجرد ما أعلمت أن البرلمان الذي تنتقد أداءه وتركيبته هو من سيتكفل بتمرير قوانين الإصلاح، وأن البرلمان المطعون في مصداقيته هو من سيخرج ''الحي من الميت'' وليس المجلس التأسيسي الذي ظلت الكثير من الفعاليات تطالب به وعلى رأسها حزب العمال والأفافاس. وأوصلت السلطة عدد الأحزاب السياسية بما سمي بالإصلاحات إلى قرابة 55 حزبا معتمدا، وهو ما أثار استهجان من ينعتون أنفسهم ''بالمعارضة الجادة'' لما يصفونه بتعويم الساحة السياسية بكيانات بلا رائحة ولا طعم، ثم طوقت السلطة ''الشوط الأول'' من إصلاحات (القوانين) بدت أنها توارت عن مخيلات الساسة بأداة الانتخابات التشريعية (10 ماي 2012) ثم المحلية (29 نوفمبر 2012) التي غطت على كل شيء، وأفرزت خطابا سياسيا راديكاليا، بنزينه ''التزوير''، فاستهلكت طاقتها في التنديد والوعيد، وأحبطت ما تبقى في جوفها من ''قوة'' لمواجهة الآتي الأهم وهو تعديل الدستور، فأعلن الرئيس بوتفليقة عن تنصيب اللجنة الدستورية، التي قال قبل عامين إنها ستتألف من التيارات السياسية الفاعلة، وخبراء القانون الدستوري، بيد أنه وبلسان الوزير الأول عبد المالك سلال، تكونت اللجنة التي يرأسها عزوز كردون من خبراء القانون الدستوري فقط، دون التيارات السياسية الفاعلة؟ لتكتفي السلطة، في شق ''الإثراء''، بالاستشارات التي قام بها عبد القادر بن صالح مع الأحزاب، ثم تلك التي قام بها الوزير الأول عبد المالك سلال قبل نحو شهرين، دون أن تتمكن الأحزاب من حيازة الوثيقة التي تبلورت بناء على تلك المشاورات للاستناد إليها. وفضلت أحزاب سياسية الخوض في مسألة العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، على تعديل الدستور، رغم أنها انتظرته طويلا، وفي نظرها، فإن العهدة الرابعة أولى في النقاش من تعديل الدستور، فشكل جيلالي سفيان، رئيس حزب ''جيل جديد''، تحالفا مع الشخصية الوطنية أحمد بن بيتور لمنع الرئيس من الترشح، ودعا الأحزاب للانضمام لمبادرتهما، وتراوحت مواقف أحزاب بين الاختلاف لدى بعضها والتقارب لدى أخرى، فرأت لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال، أن تعديل الدستور ليس أولوية في الوقت الحالي، ورغم ذلك، وبالنظر لإعلان لجنة التعديل، فإنها تعتبر أنه من الضروري إشراك الشعب والأحزاب في التعديل، بينما يطالب موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، بإحالة تعديل الدستور على استفتاء شعبي لاختيار نظام الحكم، بين رئاسي أو شبه رئاسي أو برلماني. كما تخالف حركة الإصلاح الوطني الطرح المتبع، رسميا، وترى أنه يتوجب طرح الوثيقة على النخب السياسية والمثقفة لإثرائها. ولم تول الأحزاب السياسية أهمية لإعلان ميلاد لجنة تعديل الدستور كتلك الأهمية التي أولتها قبل عامين لقوانين الإصلاح السياسي: قانون الانتخابات والأحزاب والإعلام والولاية وحالات التنافي وتمثيل المرأة، ربما لأن الإصلاحات شكلت ''طبقا جديدا ساخنا'' في ذلك الوقت كان يتوجب على بعض الأحزاب التقوت منه لربح بعض الدعاية المجانية، لكن ميلاد لجنة عزوز كردون أثار حدا أدنى من مواقف ''سردية'' كانت كفيلة بتغييب إثارة حصيلة الشوط الأول من الإصلاحات، فنسي الجميع قوانين الإصلاح، على ما حملته من تناقضات، اعترف بها وزير الداخلية دحو ولد قابلية على ما أحدثته المادة 80 في القانون العضوي المتعلق بالانتخابات خلال المحليات الماضية، وهي المادة التي جعلت إخضاع أغلبية لحكم الأقلية أمرا ممكنا، تماما كما أثيرت النقائص في قانون الجمعيات والأحزاب وتمثيل المرأة، تنتظر ''إصلاح الإصلاح'' بالطريقة الجزائرية المعهودة.