قررت السلطة، بعد أشهر عديدة من الأخذ والرد، تعيين لجنة تقنية عهد إليها إخراج التعديل الدستوري الذي وعد به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة غداة ما سمي بأحداث الزيت والسكر، وهي لجنة بقدر ما وضع تنصيبها حدا لحالة الشك التي كانت سائدة حول حقيقة التعديل الدستوري من عدمه، بعدما ظل موعده يتزحزح من محطة لأخرى منذ سنتين، بقدر ما خلق حالة من الريبة داخل الطبقة السياسية خصوصا المعارضة منها التي رأت في غياب ''اللون والرائحة'' على هذه اللجنة التي وصفت ب''التقنية'' محاولة انفراد السلطة ب ''تخييط'' دستور على مقاسها وليس في مستوى التحديات التي تنتظر البلد، خصوصا بعد التغييرات التي شهدتها العديد من الأنظمة العربية وفي دول الجوار. وبقيت الأحزاب على عطشها كالعادة إلى غاية أن ينزل مشروع السلطة إلى الشعب بطريقة كتاب سليمان، عليه الصلاة والسلام إلى بلقيس، أنه من الرئاسة وأنه بسم الله الرحمن الرحيم. لا يعرف عن أعضائها أي نضال في مجال الحقوق والحريات لجنة تقنية من عباءة النظام جاء في كلمة الوزير الأول عبد المالك سلال أثناء تنصيب لجنة التعديل الدستوري، أن مشروع بوتفليقة ''يهدف إلى تكييف القانون الاسمى مع المتطلبات الدستورية الحديثة والتحولات الجارية عبر العالم''. معنى ذلك، أن محتوى التعديل جاهز والذين أعدّوه يرفضون الإفصاح عنه، فاختاروا لجنة تقنية لخياطة ''التخريجة النهائية'' للمشروع حتى يتركوا الانطباع أنهم لم ينفردوا بصياغته. في 4 جويلية 2006 أعلن الرئيس الحالي من وزارة الدفاع، أنه عازم على استفتاء الشعب في تعديل للدستور. وبعد سنتين عدّله بشكل ''طفيف'' ليفتح لنفسه باب العهدة الثالثة، مرفوقا بمساحيق تتعلق ب''حماية الرموز الوطنية'' و''توسيع مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة''. بعد ثلاث سنوات، يقول أنه سيدخل تعديلا على الدستور تحت ضغط الاحتجاجات التي وقعت مطلع .2011 وكلف بوتفليقة إثرها بن صالح وتواتي وبوغازي، لجمع مقترحات الأحزاب والنقابات والجمعيات والشخصيات للاستئناس بها فيما عزم عليه من تعديلات وبعد عامين يكشف على لسان الوزير الأول عن ''وثيقة أولية'' تحمل خلاصة آراء الذين استشارهم بن صالح بشأن التعديل الدستوري. وقال أن ''الوثيقة'' ستوضع بين أيدي خمسة مختصين في القانون، ستكون بمثابة ''قاعدة انطلاق أعمالهم''. يلاحظ إذن أن الجزائريين انتظروا بوتفليقة سبع سنوات ليعرفوا ما يريد إدخاله من تعديلات ، وفي النهاية كلف لجنة ذات مهمة واحدة هي، صياغة اللباس الخارجي للنص الذي أعدّ سلفا ومن طرف الفاعلين في السلطة وبالشكل الذي يضمن التوازن بينهم.ويعتبر مضمون الدستور لغزا يثير الاستغراب، إذ ليس هناك شك بأن بوتفليقة ومن يشاركونه الحكم اتفقوا على صيغة الدستور الجديد، فلماذا يتلكأ الرئيس في الكشف عنها هذه المرة، على خلاف 2008 عندما قال بشكل صريح أنه سيستهدف المادة 74 من الدستور، وهي جوهر التعديل الذي وقع في 12 نوفمبر من نفس العام عن طريق البرلمان؟ لماذا لم ينصّب الرئيس لجنة بمناسبة التعديل الذي جرى في 2008 ولا في 2002 لما دستر الأمازيغية لغة وطنية؟ لماذا يطلق الرئيس استشارة لفائدة النشطاء السياسيين والاجتماعيين ولا يبلّغ الجزائريين بالعصارة التي خرج بها من مقترحات هؤلاء؟ ولماذا غيّبهم من اللجنة المطلوب منها أن تهتم بمشروع سياسي، وأعضاؤها يملكون ''بروفايلات'' تقنية بحكم أن غالبيتهم يدرسون القانون في الجامعة، وإسهاماتهم في النقاش الدستوري لا يخرج عن قالب النظام؟.لا أحد من المراقبين يمكنه أن يثق بأن فوزية بن باديس عضو بالثلث الرئاسي بمجلس الأمة، وغوثي مكامشة وبوزيد لزهاري حاملا نفس الصفة سابقا، سيصيغون تعديلات تقلّص من صلاحيات الرئيس، وتوسّع من سلطة هيئات الرقابة على السلطة التنفيذية . ولا أحد يتوقع أن أعضاء اللجنة الذين لم يعرف لهم أي نضال في مبادىء الحريات والحقوق، أن يقترحوا تعديلات توسع من هوامش الديمقراطية وتحدّ من تغوّل السلطة. أحزاب غرقت في الثورات العربية وقضايا الفساد تعديل بلا نقاش لم تعط الطبقة السياسية، التعديل الدستوري، حقه من النقاش، بعد إعلان الوزير الأول عن أعضاء اللجنة المكلفة بالتعديل، مكتفية بتذكير الناس، مقترحاتها ومواقفها التي أفصحت عنها لدى عبد القادر بن صالح، رئيس هيئة المشاورات التي كلفها الرئيس باستقاء آراء الطبقة السياسية، وكذلك المواقف التي جددت التأكيد عليها خلال لقاءاتها الأخيرة مع الوزير الأول عبد المالك سلال. تدحرجت مسالة تعديل الدستور، في أجندة اهتمامات الطبقة السياسية من أحزاب وشخصيات وطنية معنية مباشرة بالوثيقة الكبرى لإدارة البلاد، بعد أن كانت في مقدمة الأجندة، غداة إعلان الرئيس بوتفليقة عن إصلاحات سياسية في خضم الثورات العربية، ورفعت التشكيلات والفعاليات السياسية، حينها، مطلب تعديل الدستور قبل الخوض في القوانين المتعلقة بالإصلاحات، والتي تم الإفراغ منها وإدخالها حيز التنفيذ، وطفا النقاش حول تعديل الدستور إلى السطح تزامنا مع الانتخابات التشريعية لماي 2012، ثم المحلية لديسمبر من نفس السنة، لكنه تراجع بشكل لافت، ولم يدفع إجراء تنصيب لجنة عزوز كردون إلى إحياء النقاش، ولم تثر تدافعا في المواقف ولا حول ما يجب أو لا يجب أن تتضمنه الوثيقة. وأبدت الأحزاب السياسية ''انهزامية'' بشأن الإدلاء بدلوها إزاء التعديلات الدستورية، حتى وإن تعلّق بشكل النظام والفترات الرئاسية اللذين تمحورت حولهما النقاشات قبل أشهر، بينما شكّل السياق العام الذي تم فيه إعلان تشكيل اللجنة، عاملا مستجليا لوضع طبقة سياسية، أصابها إرهاق بفعل تنامي قضايا فساد، صارت مادتها السياسية الدسمة، في الآونة الأخيرة. كما أن ''الدارج السياسي'' في البلاد، منع الطبقة السياسية، إزاحة الفهم من أن وثيقة الدستور جاهزة، وأن مهام اللجنة لن تخرج عن ''شرعنتها'' وإعطائها طابع الإثراء والاستشارة، لذلك، تعتبر أن أي نقاش أو جدال بشأن وثيقة تعديل الدستور، لن يفضي إلى شيء أو إلى تبديل خارج ما أريد له أن يكون. وتترجم بعض التشكيلات السياسية، ''انكفاءها'' وتراجعها عن إثارة النقاش حول الوثيقة، بعدم التسرع، في الحكم على شاكلة التعديلات الدستورية، قبل الأوان، وأن طرح المسألة للترشيح لن يكون قبل إفراغ أعضاء اللجنة من عملهم، لكن هذا المبرر، سرعان ما يكون لاغيا، آخذا بعين الاعتبار ما صرحت به قادة نفس الأحزاب عقب لقائها بالوزير الأول، بعد أخذ انطباع أولي عما ستكون عليه التعديلات، وراح بعضها ينتقد التعديلات قبل الإعلان عنها. تبعا لذلك، حازت قوانين الإصلاح التي صودق عليها ودخلت حيز التنفيذ، حيزا واسعا من الجدال، بينما وثيقة تعديل الدستور، التي تشكل ''أم'' هذه القوانين وروحها، غيّب النقاش فيها، أو ما يثار بشأنها، على الأقل، لا يرقى إلى مصاف الحديث عن دستور يحكم بلد بأكمله، وليس قانون يضبط قطاعا واحدا فقط من قطاعات الحياة. حوار الناشط السياسي محند أرزقي فراد ل''الخبر'' من السذاجة انتظار تعديلات تخدم الديمقراطية مِمَنْ ألغى المادة 74 البلد سيعرف ثالث تعديل للدستور في عهد بوتفليقة، إلى أي مدى تعتقد أن هذه الخطوة جادة سياسيا..؟ أودّ أن أشير في البداية إلى أن الأصل في السياسة، هو ديمومة الدستور على المدى الطويل، فالدول الديمقراطية التي تحترم شعوبها لا تلجأ إلى تغييره باستمرار، لأنه ليس قانونا عاديا يحتاج إلى تحيين. ها هو رئيسنا يلتجئ إلى تعديل الدستور للمرة الثالثة، منذ وصوله إلى سدة الحكم. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على تغييب الإرادة الشعبية عند وضع الدستور، ويدل على التلاعب به، وفق أهوائه التسلطية التي دفعته إلى إلغاء المادة 74 من الدستور من أجل تكريس وجوده في الحكم مدى الحياة، وكذا فرض المادة المتعلقة برفع التمثيل النسوي في المجالس السياسية المنتخبة، علما أن هذه التعديلات غير دستورية. ما مدى مصداقية تعديل الدستور عندما تقرر السلطة منفردة بتشكيل لجنة مكلفة بذلك دون أي تمثيل من الأحزاب؟ الطريقة التي يجري بها الإعداد للتعديل الثالث للدستور، تنم عن تشبع النظام السياسي القائم بثقافة التسلط والتعسف والتجبر، والاستخفاف بالشعب المخدوع منذ سنة 1962م. واعتبارا لأهمية الدستور بوصفه القانون الأساسي للجمهورية، وبوصفه مسألة بالغة الأهمية سياسيا، فإن أمره أكبر من أن يسند إلى لجنة تقنية، تتشكل في معظمها من أشخاص - وإن كنت لا أشك في كفاءتهم القانونية- معيّنين في مجلس الأمة، ضمن الثلث الرئاسي، وهو ما يعني استحالة خروجهم عن إرادة الجهة التي قامت بتعيينهم. وما دامت الإرادة الشعبية مغيّبة في هذا ''الكرنفال''، فإن جوهر التعديل قد اُعدّ في مخابر أكابر القوم، أما اللجنة التقنية فدورها محصور في ذر الرماد في العيون وفي وضع المساحيق للمغالطة ليس إلا. ما سقف التوقعات المنتظرة من التعديل الدستوري، وهل يمكن أن يصب في خدمة المسار الديمقراطي..؟ قبل أن أتحدث عن سقف التوقعات، أ تساءل ما الغاية من تعديل الدستور ونحن على مشارف نهاية عهدة الرئيس؟ هل يقوم بذلك خدمة للرئيس القادم، أم أن هذا التعديل يندرج ضمن خطة تمهّد الطريق لعهدة رابعة؟ ومهما كانت الدوافع، فإنه من السذاجة أن ينتظر المرء مِمَنْ ألغى المادة 74 من الدستور، أن يفكر في تعديلات تصب في خدمة المسار الديمقراطي. لن تصل الجزائر إلى بر الأمان الديمقراطي إلا إذا أدرك الشعب أن التغيير السياسي مرهون بتغيير موازين القوى بين الحكام والمحكومين، وهذا الأمر مرهون بدوره بوجود طبقة سياسية واعية، ومجتمع مدني ناضج ونخبة فكرية تتسلّح بالجرأة لممارسة الفكر النقدي قصد تنوير الرأي العام. وفي الأخير أذكّر أن الجزائر تحتاج إلى وضع دستور حقيقي، يتم بإرادة الشعب، التي تتجسد - فقط - في مجلس تأسيسي سيّد، وما عدا ذلك فهو عبث ومضيعة للوقت. الجزائر: حاوره عثمان لحياني أستاذ القانون الدستوري والبرلماني السابق مسعود شيهوب ل ''الخبر'' الاستفتاء سيضفي الشرعية على التعديلات يعاب على اللجنة المكلفة بصياغة التعديل الدستوري طابعها التقني وعدم إشراك الأحزاب السياسية في المسار، لماذا لجأت السلطة إلى إقصاء الطبقة السياسية في الصياغة النهائية للوثيقة الإطار لتنظيم شؤون الدولة والمجتمع؟ السلطة تعتقد أن الأرضية التي تلخص المشاورات التي أشرفت عليها بما يعرف بلجنة بن صالح وتلك التي تولاها الوزير الأول عبد المالك سلال، كافية على اعتبار أن الأحزاب قدمت مساهمتها للجنة بن صالح من خلال بياناتها ومقترحاتها المكتوبة. ويجب ألا نغفل أن الدستور الحالي، منح الرئيس امتياز المبادرة بالتعديل الدستوري، ولم يحدد طريقة لذلك. إلى جانب هذا، هناك أمام الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان فرصة لوضع لمساتها عند تقديم التعديلات للمناقشة. إلى جانب احتكار السلطة تعديل النص، هناك غموض في طبيعة مهمة اللجنة، وفي ظل السرية التي تحيط الأرضية المقرر أن تعتمد لصياغة التعديلات؟ فعلا ليست لدينا المعطيات الكافية على هذه الوثيقة، وما فهمته من بيان الوزير الأول، أن دور اللجنة هو تحويل المقترحات إلى مواد قانونية في شكل قانون يقدم للبرلمان وربما للاستفتاء الشعبي لاحقا. وجود ثلاثة أعضاء حاليين أو سابقين من مجلس الأمة أحدهم كان عضوا في الحكومة، كيف يمكن إذا وصفها بالتقنية وغالبية أعضائها من كتلة الثلث الرئاسي؟ هذه اللجنة تقنية بالنظر إلى مهمتها وفريقها مشكل من خبراء متخصصين في القانون وللفريق المشكّل لها قدرة على إنتاج دستور كامل ومتكامل، بل يمكن لشخص واحد القيام بالمهمة، لأن النماذج موجودة ولن نبدع وننشئ شيئا جديدا. السلطة مترددة في طريقة عرض النص على التصويت، أي الاكتفاء بالبرلمان أو تنظيم الاستفتاء لمنح الوثيقة شرعية شعبية، أيهما الطريقة الأنسب في رأيك؟ الدستور الحالي ضبط مسار التعديل الدستوري، أي إذا كان طفيفا يمكن إقراره عبر البرلمان فقط، وفي حالة المساس بتوازن السلطات يتوجّب عرضه على الاستفتاء . أتصور أن التعديلات ستمس توازن السلطات، عبر منح الوزير الأول صلاحيات إضافية، ومنح حق التشريع لمجلس الأمة، مما يقتضي اللجوء إلى استفتاء شعبي، ثم إنه من الناحية السياسية، فإن مصداقية أي نص مرتبط بعرضه لرأي الشعب، وباعتبار الدستور عقدا اجتماعيا يجب أن يقول الشعب كلمته فيه. وفي رأيي المتواضع تقديم وثيقة قوية وإرفاقها بنقاش حر وديمقراطي يمكن أن يحقق نسبة تصويت غير مسبوقة. الجزائر: حاوره ف. جمال