هل يملك الجزائري ثقافة زيارة المتاحف؟ وإن وجدت من هم زوار هذه الأماكن؟ وما هي المتاحف التي تحظى بأكبر إقبال؟ ومن الشريحة المعنية والمهتمة أكثر بتلك الزيارات؟ .. أسئلة طرحناها على المواطنين ومسؤولي المتاحف الذين وجدناهم حائرين على غرارنا يبحثون عن سبب عزوف العائلات الجزائرية عن زيارة هذه المعالم التاريخية والثقافية التي كانت تعتبر إلى وقت غير بعيد محجّا للعديد من الأشخاص ومن مختلف الأجناس والفئات. دخلنا ظهيرة سبت مشمس متحف الباردو بوسط العاصمة والمختص في آثار ما قبل التاريخ ''الإيتيبنوغرافيا''، أين كنا ننتظر أن نلقى جمعا من الزوار، عائلات أو أطفال المدارس الشغوفين لمعرفة حياة إنسان ما قبل العصور، خاصة وأن الزيارة صادفت يوم عطلة نهاية الأسبوع، لكن الغريب أننا لم نلاحظ شيئا من ذلك، وعن السبب من وراء ذلك أكدت لنا عزوق فاطمة مديرة متحف الباردو أنه لو قارنّا بين الفئة التي تقصد متاحفنا وزوار متاحف الدول المجاورة لنا لوجدنا أنه في الوقت الذي يشكل فيه الأجانب أكبر نسبة من زوار متاحف تونس، المغرب، فرنسا، فإن زوار المتاحف الجزائرية وإن كانوا قلة، إلا أنهم جزائريون، مكونين من مجموعات مشكلة من تلاميذ المدارس الذين يقصدون المتحف خلال أيام الأسبوع ضمن زيارات منظّمة. وعما إذا كانت الزيارات مقتصرة فقط على تلاميذ المدارس دون عائلاتهم، أوضحت عزوق أن غالبية العائلات الجزائرية تفضّل التوجه إلى الغابات ربيعا وشواطئ البحر صيفا على حساب المتاحف، مرجعة السبب إلى عدم اكتساب ذات العائلات لثقافة زيارة المتحف. مؤكدة أن العمل التحسيسي يجب أن ينطلق من العائلة ثم المؤسسة التعليمية، وأشارت إلى عامل التنظيم بحيث كلما خصصت الزيارات لمجموعات صغيرة من تلاميذ المدارس كان استيعاب ما يقدمه لهم القائمون على المتحف من شروحات أحسن. ورغم ذلك يصطحب مسؤولو المؤسسات التربوية مجموعات لا تقل عن 30 تلميذا، مما يجعل من الصعب أن تقدم لهم الشروحات الكافية. وفي ذات السياق، تضيف محدثتنا، أنه ''على وسائل الإعلام مساعدتنا في التعريف بالمنتوج المتحفي وتوعية المواطن بأهمية هذه الهياكل''. مؤكدة أن إعادة بعث مثل هذه السلوكيات مسؤولية كافة مكونات المجتمع، من عائلات ومؤسسات تربوية ومؤسسات عمومية تعنى بالحركة الثقافية في البلاد، ولفتت مديرة متحف ''الباردو'' إلى برنامج خاص بتأهيل المتاحف الوطنية لسنة 2014 سيتيح الفرصة للعائلات الجزائرية كي تزور المتحف وتستفيد من استراحة ونزهة مبرمجة لحديقته، مع إمكانية تخصيص مساحات ومعابر خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة. الحنين إلى الماضي يشدّ زوار ''دار خداوج العمياء'' وخلافا لحالة متحف الباردو يحظى المتحف العمومي الوطني للفنون الجميلة والتقاليد الشعبية أو ما يعرفه العامة ب''دار خداوج العمياء'' المتاخم لدار السلطان بأسفل قصبة الجزائر العاصمة العتيقة بإقبال كبير، ويظهر أن أسطورة بنت الخزناجي ''حسن باشا'' وزير التجارة في الدولة العثمانية في القرن السادس عشر، الذي أهدى القصر لابنته الأميرة ''خداوج'' التي فقدت بصرها لإفراطها في استعمال الكحل حيث كانت معجبة كثيرا بنفسها، نالت إعجاب الزائرين وجعلتهم أوفياء لهذا المعلم، وكان بقاءها ساعات طويلة تتأمل جمال وجهها في المرآة وراء فضول آلاف الزوار الذين يقصدون المتحف للإطلاع عن كثب على حيثيات الأسطورة المشوّقة ورؤية ''المرآة العجيبة''. وعن هذا الإقبال، أكدت لنا لشهب نزهة النفوس، رئيسة دائرة التنشيط والتوثيق بالمتحف، أن زائري المكان من فئات متنوعة ومن مختلف الأعمار، أطفال المدارس وطلبة الجامعات والأجانب وكذا الوفود الرسمية وحتى العجائز اللواتي يتقن إلى عادات الماضي البعيد، خاصة وأنه يحوي جناحا مجسدا لكل ما يتعلق بعادات المرأة العاصمية من لباس وطقوس. إلى جانب ذلك غرف حوت ألبسة وأثاثا يرمز لمختلف مناطق الوطن. لتضيف قائلة ''إن أول ما يتساءل عنه كل الزوار ودون استثناء هو مرآة خداوج العمياء .. ''. ورغم أن المرآة المتواجدة بالمتحف ليست الأصلية، إلا أن الجميع مقتنع بأنها التي تحدثت عنها الأسطورة''. كما أشارت محدثتنا أن إدارة المتحف قامت بإعداد كتيّبات تحكي قصة خداوج العمياء، إلى جانب تخصيص علب خاصة بالبوقالات الشعبية لشدّ اهتمام الزائر إلى الموقع. أسعار التذاكر .. من 02 إلى 200 دينار عن ذات الإقبال، أكد لنا علي ماحين عبد الرحمان، ملحق بالحفظ والصيانة بالمتحف ومكلف بالزيارات الموجهة، أن دار خداوج العمياء شهدت خلال سنة 2012 زيارات قدّرت ب 12220 زيارة، غالبيتها خصت البالغين وبعدد 9239 زائر إلى جانب 919 طفل زائر، ويبقى المشكل الذي طرح مؤخرا ومنذ بداية شهر أفريل المنصرم هو الزيادة الصارخة في ثمن تذكرة الدخول التي فرضتها وزارة الثقافة، حيث لم يكن الثمن يتعدى 20 دج ليقفز إلى 200 دج للزائر الواحد، وهو ما قد يقف وراء عزوف عدد كبير من الناس عن زيارة الدار حسب عدد ممن التقيناهم من المواطنين. ''التليفيريك'' يزيح الستار عن ''دار عبد اللطيف'' يعود أصل دار عبد اللطيف، الواقعة بأعالي شارع بلوزداد بالجزائر العاصمة، إلى ما أطلق عليه ''فحص الحامة'' والذي يعد واحدا من الفحوص الثلاثة ''مناطق الريف'' التي كانت تحيط بالمدينة في العهد العثماني، إلى جانب الفحص الموجود أسفل بوزريعة وفحص الوسط الذي يضم سيدي امحمد وبئر مراد رايس ويمتد حتى منطقة الدرارية، وتعد دار عبد اللطيف معلما مصنفا ضمن التراث الوطني وتحفة في فن الهندسة المعمارية الجزائرية التي ترجع إلى الحقبة العثمانية، حيث أكدت لنا عبد الرزاق فطيمة، رئيسة الموقع، أن أقدم سند ملكية لهذه الدار، يعود إلى عام 1715 قبل أن تنتقل إلى ملكية العديد من الأعيان ومنهم علي خوجة وزير البحرية العثماني. وفي عام 1795 اشتراها السيد عبد اللطيف بمبلغ ألفي دينار ذهبي، ونظرا إلى أنه كان آخر جزائري امتلك هذه الدار، فإنها بقيت تحمل اسمه إلى يومنا هذا. مضيفة أنها أحسن نموذج من نماذج الإقامات الصيفية التي كانت مفضلة لدى أعيان الجزائر، لتؤول بعدها إلى المعمّر الفرنسي الذي جعل منها مركزا للراحة ثم دارا للفنان، حيث استقبلت على مدى نصف قرن من الزمن سبعا وتسعين فنانا من رسامين ونحاتين ونقاشين. وفي 2006 تم ترميمها لتحتضن المقر الاجتماعي للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، كما أضافت عبد الرزاق أن دار عبد اللطيف توأما ممثلا في فيلا سكيز بروما وفيلا مديسيس بمدريد الإسبانية وكانت فيلات تمثل الإقامات الثلاث لفناني فرنسا. وخلافا لما كان يعتقده غالبية الجزائريين، بأن زيارة دار عبد اللطيف ممنوعة على الزوار من الجزائريين ويقصدها الفنانون فقط، أكدت لنا رئيسة الموقع العكس. موضّحة أن الدار تمثل تراثا وطنيا مفتوحا لكل الجزائريين دون استثناء، وأن الزيارة مجانية خلافا لما طبق مؤخرا على دار خداوج العمياء. كما أشارت محدثتنا أن الدار تحظى يوميا بزيارة 2 إلى 3 أسر جزائرية، إلى جانب زيارات فردية لمختلف شرائح المجتمع من طلبة وفنانين وأشخاص عاديين مثل عديد سائقي سيارات ''الطاكسي'' الذين يكتشفون موقع الدار من خلال مرورهم بها، ليتوقفوا ويسجلوا زيارة لها. مؤكدة على أنه خلال العطل تسجل دار عبد اللطيف نسبة معتبرة من الزوار. وعن سبب عدم علم كثير من الجزائريين بوجودها، أشارت رئيسة الموقع إلى تموقعها وسط أعالي شارع بلوزداد التي اعتبرتها منطقة منعزلة لا يقصدها الراجلون وكذا مستعملو ''التيلفيريك'' الذي يمر فوق الدار، مما جعلهم يتعرفون على هذه الدار. مؤكدة أنه في حال توفّر وسائل نقل توصل الزوار إلى دار عبد اللطيف لسجل المكان نسبة كبيرة من الزيارات. وموازاة مع كونها معلما أثريا، تحتضن دار عبد اللطيف جلسات وأنشطة ثقافية تسيّرها الوكالة الوطنية للإشعاع الثقافي، وهو ما قد يشجّع على زيارتها من قبل أكبر عدد ممكن من الجزائريين، ناهيك عن غيرها من المعالم التاريخية بالجزائر.. لا يزال الاهتمام بها حكرا على النخبة فقط.