تعرفت على خميستي ورابح بيطاط في سجن الحراش في ظل ندرة الكتابات التي تؤرخ لسيرة المواطن العادي إبان الاحتلال الفرنسي، حاول الأستاذ سفيان لوصيف من جامعة سطيف 2، تسليط الضوء على شهادة أحد الفاعلين في انتفاضة الثامن ماي 1945 بمنطقة سطيف، وتوثيق الشهادات الحية والنادرة لمن عايش ونجا من جحيم مجازرها. يقف الأستاذ سفيان لوصيف في الذكرى الثامنة والستين لمجازر الثامن 1945، أمام شهادة المناضل العياشي خرباش، أحد الفاعلين فيها، والذي تحدث عن نشاطه قائلا: ''كنت ناشطا سياسيا رفقة نور الدين معيزة، وكان من أبرز مناضلي الحركة الوطنية في سطيف، ضمن تيار فرحات عباس، كان يأتي إلى عموشة ويجمع المناضلين ويخطب بحماسة، وأتذكر الشخصيات التي كانت تنشط في تيار فرحات عباس، مثل عبد القادر بن علاق، خنتوت عبد الله، موفوض أحمد، وغيرهم من الأعضاء الذين انخرطوا في هذا التيار السياسي''. ويواصل ''كنت أحضر الاجتماعات السياسية لفرحات عباس، التي يقيمها في عموشة أو في سطيف، كما كنت أعرف شخصيا الشهيد سعال بوزيد عن قرب فهو ينحدر من قرية الزايري، بلدية الأوريسيا''. ويضيف العياشي ''أما عن أحداث 8 ماي 1945، فقد عشتها في قلب الحدث. أتذكر جيدا أنني كنت في سطيف حينها، فقد أرسل إلينا وفد من سطيف يدعونا إلى حضور المسيرة السلمية، وكان المكان المحدد الانطلاق منه حي لانفار''. راح شاهد العيان يصف المظاهرة ''خرجنا في حشود كبيرة من المدرسة التي التقينا بها، وسرنا في الطريق الرئيسي، ولأول مرة أرى الأعلام الوطنية ترفع، وكنا نصيح جميعا بأعلى صوت ''تحيا الجزائر، تحيا الجزائر، تحيا الجزائر''. كان استشهاد سعال بوزيد القطرة التي أفاضت الكأس، فانتفض الجميع على كل معمّر أوروبي يجده أمامه، شاهدت الكثير من الجزائريين الذين سقطوا أمامي، أما نحن فقد أقفلنا عائدين إلى عموشة، حيث كان العسكر الفرنسي يحكم قبضته على مدينة سطيف''. عندما انتقلت الأحداث إلى خارج مدينة سطيف تعرض بعدها شهادة العياشي خرباش وصفا لأحداث 8 ماي بمنطقة عموشة ''كان المواطنون قد تجمعوا في منطقة عين مقرمان وضيافات، لترصّد الفرنسيين والمعمّرين، هم عائلات من مرغم وبوعود وضيافات وخرباش، وكانت الفرصة مواتية جدا، حين مرّ أمامنا إداري رئيسي يدعى روسو روني ونائبه بانسل يفس، وكان رفقتهما سائق السيارة وهو جزائري من منطقة عين الكبيرة اسمه عمار بوقدورة، كانوا عائدين من خراطة بعد الاحتفال الذي أقاموه ابتهاجا بنهاية الحرب العالمية وانتصار الحلفاء على النازية، لما وصلت سيارة الحاكم الإداري إلى قرية عين مقرمان، توقفت في الحاجز الذي أقمناه، فأطلقوا النار علينا وكان رد فعلنا بالمثل، فسقط نائب الحاكم ميتا، وكان أول قتيل خارج مدينة سطيف، وأول حادث بعد ما حصل في سطيف، أما الحاكم فقد قتل هو الآخر بعد محاولة الفرار على يد الفوغالي لعليوي، في حين أطلق سراح السائق عمار بوقدورة''. تشير الشهادة إلى أن عمي العياشي قد عاش الجحيم بعدما ألقي عليه القبض، حيث يقول ''بقينا هكذا مدة أسبوعين كاملين، أي إلى غاية يوم 22 ماي 1945، هذا اليوم الذي ألقي فيه القبض علي، في منطقة المداريس غرب جبل مقرس، في كمين نصب لنا من قبل أحد الوشاة المتعاونين مع الإدارة الاستعمارية، حيث استدعانا إلى منزله وقال ''لا خطر عليكم''، في وقت كان الجنود الفرنسيون يحاصرون المنطقة وأمسكوا بنا في بيته، وكذلك ألقي القبض على أبي وسجن لمدة أيام، رغم أنه لم يفعل شيئا سوى أن الحاكم قتل أمام بيتنا، ثم أطلق سراحه.. هكذا وقعت في الأسر، وتركت عائلتي، حيث كنت متزوجا من ابنة عمي ولدي ابن واحد توفي سنة 1946، أما زوجتي فانتظرتني مدة من الزمن ثم تزوجت، ولما أمسكوا بنا أخذونا إلى عموشة وتم أسرنا في مستودع، ما كنت أعرفه عن البقية أن عبد القادر بن علاق وأخاه الربيع، عبد الله خنتوت وأحمد مفوض، قد ألقي القبض عليهم، وتم قتلهم في المالحة، عدا عبد القادر بن علاق الذي أخذوه إلى سطيف ومنها إلى عين عباسة، حيث تم قتله بعد تعذيبه مدة ثلاثة أيام. مكثنا في معتقل عموشة يومين، كان معي مرغم مبارك، مرغم بوزيد، لويز بوزيد، مهابيل سليمان وأخوه السعيد، ومرغم العياشي ومرغم مسعود، أخذونا إلى مركز الشرطة في سطيف، ومنه إلى المحتشد الذي أقيم لنا خصيصا، كان فيه أكثر من ثلاثة آلاف جزائري، أمسكوا بهم من نواحٍ متعددة، وفيه تلقيت أبشع أنواع التعذيب، حيث علقوني مدة ثلاثة أيام كاملة، وجلدوني بالسواط. بقينا في المحتشد مدّة عشرة أيام، ثم نقلنا إلى السجن في قصبة قسنطينة، وبعد أيام تمت محاكمتنا في محكمة المنصورة العسكرية بقسنطينة، كنا ستة من عموشة: خرباش العياشي، لويز بوزيد، مرغم مبارك، مهابيل سليمان، مرغم مسعود وبويمة الصغير وحكم علينا بالإعدام، وتم تنفيذ حكم الإعدام مباشرة في التالية أسماؤهم: حكوم العمري، لويز بوزيد وبويمة الصغير في سجن قسنطينة. لا أعلم لماذا لم أعدم، إنه القدر. بعد المحاكمة مكثنا في سجن قسنطينة مدة عام ونصف، ثم تم تحويلنا إلى سجن الحراش وفيها قضيت مدة السجن حتى الاستقلال، وتم تحويل الحكم في حقي من الإعدام إلى السجن المؤبد، حسب ما جاء في أرشيف وزارة العدل، في مديرية البحث، المديرية الفرعية للوثائق رقم 24/99''. سجن الحراش وقصته مع رابح بيطاط يقول العياشي إنه تعرّف على المناضل رابح بيطاط بسجن الحراش ''في سجن الحراش تعرفت على المناضلين رابح بيطاط رفقة محمد خميستي، واستمرت علاقتي برابح بيطاط بعد الإفراج عنا سنة 1962، وزرته في العاصمة مرتين، وقدم لي خدمة جليلة، حيث ساعدني في تسوية ملفي الثوري في الإدارة، أما محمد خميستي فإنني لم ألتق به فقد مات سنة .1963 أطلق سراحي بتاريخ 06 ماي 1962، وكنت من الأواخر الذين أفرج عنهم، حيث لا يوجد قانون يعفيني سوى الاستقلال، لأن الحكم الصادر في شخصي ينص على الإعدام ثم حول إلى السجن المؤبد أي مدى الحياة. حين خرجنا من سجن الحراش، تكفل الشعب بإرسال المساجين كل إلى المنطقة التي يقطن فيها، فأتوا بي إلى سطيف ومنها عدت إلى عموشة، وجدت المنزل العائلي قد أحرقه الجيش الفرنسي، حيث انتقلت العائلة من عين مقرمان إلى أولاد فايد، وهذه قصتي مع الثامن من ماي .''1945