اختار الله، سبحانه وتعالى، الأشهر الحُرُم من بين الأشهر، والأشهر الحُرم هي: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم ورجب، وهي ثلاث متواليات وواحد فرد. وقد حرَّم الله تعالى فيها القتال، وعظّم من ظلم النّفس فيها بأيّ وسيلة كانت، فقال سبحانه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} التوبة 63. تتضاعف الحسنات في الأشهر الحرم، كما تتضاعف فيها السّيِّئات. يقول الإمام ابن كثير، رحمه الله، في تفسيره للآية الكريمة: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، أي في هذه الأشهر المحرَّمة، لأنّها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أنّ المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحجّ 25. وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام، ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حقّ مَن قَتل في الحرم أو قتل ذا محرّم، ثمّ نقل عن قتادة قوله: إنّ الظلم في الأشهر الحُرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كلّ حال عظيمًا، ولكن الله يعظّم في أمره ما يشاء''. ولهذا الأشهر أحكام، منها: أنّها أشهر حُرُم، ويشمل هذا أمرين اثنين: * تحريم القتال فيهنّ، قال تعالى: {يسألُونَك عن الشَّهر الحرام قِتَالٌ فيه قُلْ قتالٌ فيه كبير} البقرة 217. ولكن ذهب جماهير أهل العلم إلى نسخ هذا الحكم وجواز القتال، ولهم في ذلك أدلة لا تسلم من مقال، وذهب بعض أهل العلم ومنهم عطاء، رحمه الله، إلى أنّ الآية محكمة، وأنّ تحريم القتال باق غير منسوخ، لكن سبق القول إن العمل على خلافه. * تحريم الظُلم فيهنّ، وإليه يشير قوله تعالى: {فلا تَظْلِموا فيهنّ أنفُسَكم} التوبة 63. على أنّ أهل العلم اختلفوا في عود الضمير في قوله {فيهنّ}، فقال بعضهم: الضمير يعود على خصوص الأربعة الحرم، وقال بعضهم: إنّه عائد على كلّ الأشهر، وإنّما نصّ الله تعالى على الأربعة لزيادة شرفها وفضلها. وبكلّ حال، فالآية دالة على تحريم الظلم في الأشهر الحُرم. وتشتمل هذه الأشهر على فضائل وعبادات ليست في غيرها، وهي مشهورة، منها: الحجّ، لأنّ أفعال الحجّ كلّها تقع في شهر ذي الحجّة. كما يشتمل ذو الحجة على اللّيالي العشر التي أقْسَم الله عزّ وجلّ بها، وتسمّى عشر ذي الحجّة. ويوم عرفة، وهو أفضل أيّام العشر، ويشرع لغير الحاجّ صيامه. كما تشتمل هذه العشر على عيد الأضحى المبارك، ويُشرَع فيه الأضحية. ويشرع أيضًا صيام شهر الله المُحرَّم، فقد أخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أنّ النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، قال: ''أفضل الصّلاة بعد الصّلاة المكتوبة الصّلاة في جوف اللّيل، وأفضل الصّيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرّم''، ويتأكّد صيام يوم العاشر مع يوم قبله أو بعده، وتضاعف الحسنات والسّيِّئات بسبب شرف الزمان والمكان.