إنّ أفضل الصّيام وأحبّه إلى الله سبحانه وتعالى، لمَن يطيق ولا يشقّ عليه، هو صيام يوم الإثنين والخميس، وصيام يوم عاشوراء، ويوم عرفة، وثلاثة أيّام من كلّ شهر، وصيام ستة من شهر شوال، وصيام شهر المحرّم كاملاً، وأكثر شهر شعبان، وإذا أراد العبد أن يُداوم الصّيام فأفضله أن يصوم يومًا ويفطر يومًا، وهو صيام سيّدنا داود عليه السّلام، وهو ما سَنَّه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى به صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عندما وجد عنده قوّة الرّغبة في الخيرات، والحرص على الزيادة من الصّالحات. روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّه قال: أُخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي أقول: والله لأصومنّ النّهار، ولأقومنّ اللّيل، ما عشت! فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي، قال: “فإنّك لا تستطيع ذلك، فصُم وأفطر، وقُم ونم، وصُم من الشّهر ثلاثة أيّام، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر”، قلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك، قال: “فصُم يومًا، وأفطر يومين”، قلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك، قال: “فصُم يومًا، وأفطر يومًا، فذلك صيام داود عليه السّلام، وهو أفضل الصيام”، فقلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “لا أفضل من ذلك”، وفي رواية: “لا صوم فوق صوم داود عليه السّلام، شطر الدهر”. وأفضلية صوم يوم وفطر يوم في كونه غير شاق على النّفس، وفيه الرِّفق بالبدن وعدم الإنهاك له ويستحبُّ ممّن شرع في صيام التطوّع، ألاّ يَخرُج منه بلا عُذر، وأن يكمله، ولا يُبطِله، فإن خرج منه بلا عذر، فقد كرّهه جماعة من العلماء، فأمّا إن خرج منه بعُذر فليس فيه أدنى كراهة. والعُذر مثل أن يكون ضيفًا، أو مُضيفًا، ويشقّ على مضيفه أو ضيفه ألاّ يأكل معه، فيستحب أن يفطر لإكرامه. وورد في حديث صحيح: “وإنّ لزورك (أي زوارك) عليك حقًا”، وحديث “ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرِم ضيفه” متفق عليهما. فصيام التطوع على أنواع، منها صيام يوم وفطر يوم: وهو أفضل صيام التطوع، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ وَأَحَبَّ الصّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السّلاَم كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا” متفق عليه. صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر: أي ثلاث أيّام والأفضل أن تكون أيّام البيض، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِثَلاَثٍ بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ مِنْ كُلّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ” متفق عليه. صيام التسعة الأولى من ذي الحجة وآخرها يوم عرفة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَا مِنْ أَيّامٍ الْعَمَلُ الصّالِحُ فِيهَا أَحَبّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيّامِ،يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قال: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ رَجُل خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ” رواه أبو داود. وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: “سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فقال: يُكَفِّرُ السنة الماضية والباقية” رواه مسلم. صيام العاشر من محرم: عن أبي قتادة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ عن صوم يوم عاشوراء، فقال: “يُكَفِّرُ السنة الماضية” رواه مسلم. وأمّا صيام التاسع والعاشر من محرم. فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ” رواه مسلم. صيام الإثنين والخميس: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْم الإثْنَيْنِ والْخمِيسِ فَأُحِبّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِم” رواه الترمذي وقال حديث حسن. صيام الست من شوال: عن أبي أيوب رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شوّال كَانَ كَصِيَامِ الدّهْر” رواه مسلم.