فضْل الله تعالى شهر رمضان على كثير من الشهور وجعله أفضل شهور العام ففرض فيه الصّيام وأنزل فيه القرآن وفيه تغفر الذّنوب ويعتِق الله عزّ وجلّ من يريد من النّار وفيه تصفد الشّياطين، وهو شهر البركة وشهر الأرحام وفيه ليلة هي خير من ألف شهر. من حكمة الله سبحانه أن فاضل بين خلقه زمانًا ومكانًا، ففضّل بعض الأمكنة على بعض، وفضّل بعض الأزمنة على بعض، ففضّل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشّهور، واختصّ هذا الشّهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشّهر الّذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: {شهرُ رمضانَ الّذي أنْزِلَ فيه القرآن هُدًى للنّاس وبيِّنات من الهُدى والفرقان} البقرة: 185، وهو الشّهر الّذي فرض الله صيامه، فقال سبحانه: {يا أيّها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصّيام كما كتِب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون} البقرة: 183. وهو شهر التوبة والمغفرة وتكفير الذنوب والسيّئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الصّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر” رواه مسلم. مَن صامه وقامه إيمانًا بموعود الله، واحتسابًا للأجر والثّواب عند الله، غفر له ما تقدّم من ذنبه، ففي الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”، وقال: ”مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه”، وقال أيضًا: ”مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه”. ومَن أدركه فلم يُغفر له فقد رغم أنفه وأبعده الله، بذلك دعا عليه جبريل عليه السّلام، وأمَّن على تلك الدعوة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، فما ظنّك بدعوة من أفضل ملائكة الله، يؤمّن عليها خير خلق الله. وهو شهر العتق من النّار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال صلّى الله عليه وسلّم: ”وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرّ أقصر، ولله عتقاء من النّار وذلك كلّ ليلة” رواه الترمذي. وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشّياطين، ففي الحديث المتفق عليه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنّة وغلقت أبواب النّار وصفدت الشّياطين” وفي لفظ ”وسلسلت الشّياطين”، أي أنّهم يجعلون في الأصفاد والسلاسل، فلا يصلون في رمضان إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره. وهو شهر الصّبر، فإنّ الصّبر لا يتجلّى في شيء من العبادات كما يتجلّى في الصّوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصّوم نصف الصّبر، وجزاء الصّبر الجنّة، قال تعالى: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب} الزمر: 10. وهو شهر الدّعاء، قال تعالى عقيب آيات الصّيام: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} البقرة: 186، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم” رواه أحمد. وهو شهر الجود والإحسان، ولذا كان صلّى الله عليه وسلّم، كما ثبت في الصّحيح، أجود ما يكون في شهر رمضان. فانظر يا رعاك الله إلى هذه الفضائل الجمّة والمزايا العظيمة في هذا الشهر المبارك، فحري بك أن تعرف له حقّه وأن تقدّره حقّ قدره وأن تغتنم أيّامه ولياليه، عسى أن تفوز برضوان الله، فيغفر الله لك ذنبك وييسر لك أمرك ويكتب لك السّعادة في الدّنيا والآخرة. إمام بمسجد علي بن أبي طالب العين الصفراء – النعامة