دعا إمام الحرم المكّي الشيخ عبد الرحمن السديس لمصر أرض الكنانة في خطبة الجمعة، أمس، بالمسجد الحرام، حيث كان يصلّي خلفه نحو مليون مسلم في أوّل جمعة لشهر رمضان المبارك. وابتهل الشيخ السديس إلى المولى عزّ وجلّ أن يحفظ مصر وأهلها من كلّ مكروه وسوء، وأن يجعلها آمنة مطمئنة، وأن يجمع شمل المصريين على كلمة سواء وعلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما فيه خير البلاد والعباد. بكى الشيخ السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، عند تذكّره بالدعاء للأشقّاء في سوريا وإقليم أراكان في بورما الذين يواجهون حرب إبادة عنصرية، وكذلك عند تذكّره للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، راجيا اللّه سبحانه وتعالى أن يحفظه وأن ينقذه من كيد الصهاينة المغتصبين. وتناول إمام المسجد الحرام في خطبته فضائل شهر الصوم الذي فضّله اللّه على باقي الشهور، فمن حكمة اللّه سبحانه أن فاضل بين خلقه زمانا ومكانا، ففضّل بعض الأمكنة على بعض وفضّل بعض الأزمنة على بعض، ففضّل فى الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، فهو فيها كالشمس بين الكواكب، واختصّ هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذى أنزل اللّه فيه القرآن، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان} (البقرة/ 185)، وهو الشهر الذى فرض اللّه صيامه، فقال سبحانه: {يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون} (البقرة/ 183). وهو شهر التوبة والمغفرة وتكفير الذنوب والسيّئات، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفّرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم، من صامه وقامه إيمانا بموعود اللّه واحتسابا للأجر والثواب عند اللّه غفر له ما تقدّم من ذنبه. ففي (الصحيح) أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه)، وقال: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه)، وقال أيضا: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه). وهو شهر العتق من النّار، ففي حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه: قال صلّى اللّه عليه وسلّم: (وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشرّ أقصر، وللّه عتقاء من النّار، وذلك كلّ ليلة) رواه الترمذي. وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفّد الشياطين، ففي الحديث المتّفق عليه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنّة وغلقت أبواب النّار وصفّدت الشياطين)، وفي لفظ (وسلسلت الشياطين)، أي: أنهم يجعلون في الأصفاد والسلاسل، فلا يصلون في رمضان إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره. وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلّى في شيء من العبادات كما يتجلّى فى الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها، لهذا كان الصوم نصف الصبر وجزاء الصبر الجنّة، قال تعالى: {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر/ 10). وهو شهر الدعاء، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة/ 186)، وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصّائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم) رواه أحمد. وهو شهر الجود والإحسان، لذا كان صلّى اللّه عليه وسلم -كما ثبت في الصحيح- أجود ما يكون في شهر رمضان. وهو شهر فيه ليلة القدر التي جعل اللّه العمل فيها خيرا من العمل ألف شهر والمحروم من حرم خيرها، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر/ 3)، روى ابن ماجة عن أنس رضى اللّه عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كلّه، ولا يحرم خيرها إلاّ محروم).