المشاهد نفسها تتكرر، الجزائريون يستعيدون – بما يتوالى من الأحداث في مصر- مشاهد بداية الأزمة الدامية عام 1992. أحاول أن أقنع نفسي أن مصر لا تتجه إلى السيناريو الجزائري، لكن الانفلات في الشارع، والتحريض الإعلامي هو نفسه الذي شهدته الجزائر بداية الأزمة الأمنية الدامية، عندما كان تحريض السلطة والديمقراطيين على الإسلاميين بالتطرف، وتحريض الإسلاميين على الديمقراطيين بالقدح والتكفير. أحاول أن أقنع نفسي أن مصر لا تتجه إلى السيناريو الجزائري، لكن الجيش في مصر يتوجه - تماما كما ذهب إليه الجيش في الجزائر إلى “الكل الأمني”، فعندما يطلب وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي تفويضا من الشعب لمكافحة الإرهاب – عبر مسيرات - يعني أن قانونا لمكافحة الإرهاب بصدد الصدور، ويصبح كل إسلامي أو ملتح مشتبه فيه باسم مكافحة الإرهاب، وتبدأ المضايقات والاعتقالات الإدارية والاختفاء القسري باسم مكافحة الإرهاب، ويدفع بآلاف الشباب الخائف من الاعتقالات، أو المغرر به – تماما كما حدث في الجزائر- إلى أحضان الجماعات المسلحة، وتخرج مجموعات عن سيطرة أي طرف، ويبدأ نهر الدم. أحاول أن أقنع نفسي أن مصر لا تتجه إلى السيناريو الجزائري، لكننا استمعنا إلى وزير الدفاع المصري وهو يدعو الشعب إلى تحمل المسؤولية مع الجيش والشرطة في مكافحة الإرهاب، يعني ذلك تشكيل ميليشيات شعبية، تماما كما حدث في الجزائر. أحاول أن اقنع نفسي بغير ذلك، ونحن نشهد افتتاح جلسة المصالحة الوطنية في مصر، التي أقصت جزءا هاما من الشعب المصري لا ينحاز إلى انقلاب 30 يونيو، تماما كما عقدت السلطة في الجزائر ندوة الوفاق الوطني عام 1994 بدون جبهة الإنقاذ كطرف في الأزمة. أحاول أن أقنع نفسي أن مصر لا تتجه إلى السيناريو الجزائري ونحن نشهد انتقال مصر تماما كالجزائر في التسعينات، من تصاعد التحريض، إلى بداية تفجير القنابل والعنف في بيئة مصرية حاضنة للعنف أصلا، يغازلها السلاح الليبي المنتشر بالقرب من مرسى مطروح، وعوامل كثيرة تلعب لصالح دفع الكنانة إلى المجهول. سيحتاج الأشقاء في مصر دائما إلى تذكيرهم بما انتهت إليه المأساة الجزائرية، التي بدأت بنفس السيناريو وبالأدوات وبالطريقة نفسها، وبالمشاهد الأولى نفسها، انتهت إلى أكثر من 200 ألف قتيل – بحسب تصريح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، و7400 مفقود، و50 مليار دولار من الخسائر، و40 ألف معمل مخرب، و400 ألف منصب شغل ضائع، قبل أن نخلد إلى الوئام المدني والمصالحة الوطنية. لمصر نهر النيل، ولها أن تغتسل به الآن من العبث السياسي الذي يقتات من الحقد والغل والعنف اللفظي والتحريض الإعلامي المتبادل، لها أن تغتسل الآن من هذا العبث، قبل أن تضطر إلى الاغتسال من نهر الدم. ليس الوقت الآن للقبعة العسكرية، الوقت الآن لما تحت القبعة، للعقل والحكمة وللبصيرة، فقد عمت الفتنة بصر المصريين.