هل بدأت مساحة المناورة للرئيس المقبل للجزائر تتقلص وسلطة القرار لديه تضيق حتى قبل تسلمه مقاليد قصر المرادية؟ طبعا في حال تعذر على بوتفليقة مواصلة ذلك. العديد من المؤشرات المالية والاقتصادية أخذت تتلون باللون الأحمر من الآن بسبب التراجع المتوالي لأسعار النفط، وفي المقابل الارتفاع الصاروخي لنفقات الدولة وبشكل سيقضي على احتياطيات الصرف في أقل من 3 سنوات. كشفت الأرقام المقدمة من طرف مصالح الجمارك، بأن الجزائر تعيش فوق إمكانياتها ولم تعد قادرة على التحكم في فاتورة الاستيراد التي تضاعفت في أقل من 5 سنوات، بحيث انتقلت من قرابة 30 مليار دولار في 2009 إلى قرابة 60 مليار دولار في نهاية عام 2013، وهو رقم يمثل مبيعات الجزائر من المحروقات تقريبا. وحسب بيانات الجمارك، فإن الجزائر صدّرت في ستة أشهر الأولى من العام الجاري 35,9 مليار دولار، لكنها استوردت في نفس السداسي ما قيمته 28,35 مليار دولار، ما يعني أن الفائض الذي كان يوجه إلى صندوق ضبط الإيرادات لم يعد “معتبرا “ مثل سابقه. بالموازاة مع ذلك تعرف أسعار المحروقات منذ عدة أشهر حالة من التراجع بسبب الأزمة المالية العالمية وإعلان الكثير من الدول حالة الانكماش الاقتصادي، ما أثر سلبا على الطلب العالمي للنفط والغاز. هذا الوضع، حسب الخبراء، مرشح للاستمرار مطولا جراء عدم بروز مؤشرات نمو قوية، ولم يعد الانتعاش إلى الاقتصاديات الأمريكية والصينية والأوروبية، وهي دول من أكبر المستهلكين للطاقة، ما يزيد من مخاوف المنتجين ويدفع البورصات النفطية إلى تراجع أسعار الذهب الأسود الذي يراوح حاليا عتبة 102 دولار للبرميل. وفي حسابات الخبير الاقتصادي ورئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، فإن تراجع أسعار النفط الى ما دون ال70 دولارا للبرميل، سيجعل الجزائر غير قادرة ليس على تمويل برامج التجهيز والتنمية الواردة في المخطط الخماسي، بل في استحالة تغطية أجور الموظفين في القطاع العام. يأتي هذا الوضع في وقت اتفقت الحكومة مع المركزية النقابية على مراجعة المادة 87 مكرر لإعادة النظر في حساب الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، ما يعني أن كتلة الأجور سترتفع مجددا بعدما بلغت، حسب وزير المالية، كريم جودي، في قانون المالية لسنة 2013 أكثر من 26 ألف مليار دينار، أي ما يعادل 26 مليار أورو. هذا التوجه يجعل مستويات التقشف الذي طالبت مديرة صندوق الأفامي بخفضه الى حدود ال5 بالمائة، مرشح للارتفاع، ما يعني، حسب توقعات الخبراء، أنه لن يتراجع إلى أقل من 5,7 بالمائة في 2013. المعطى الآخر الذي يثقل كاهل ميزانية الدولة، هو زيادة ميزانية الدفاع والأمن بسبب الأحداث التي تعرفها دول الجوار، بحيث جعل ميزانية القطاع تقارب ال10 ملايير دولار، يضاف إليها ارتفاع في وتيرة التهريب التي تكلف الجزائر خسارة تقدرها مصادر غير رسمية بأكثر من مليار دولار. وعكس الرئيس بوتفليقة الذي استفاد حكمه طيلة 14 سنة من فترة “بحبوحة” مالية، فإن المؤشرات الحالية لا تترك أمام الرئيس المقبل للجزائر، مهما كان، مساحة كبيرة من المناورة السياسية وتحركاته محدودة بفعل القيود المالية بسبب بداية تآكل احتياطات الصرف وعدم قدرة الاقتصاد الوطني على جلب مداخيل جديدة خارج المحروقات (مليار دولار سنويا فقط)، رغم الملايير التي تم ضخها في برامج النمو والإنعاش والتي كانت جزءا من الفساد الذي تورط فيه مقربون من الرئيس. فهل بمقدور الرئيس القادم إقناع الجزائريين للتشمير عن سواعدهم؟