أكّد فضيلة الشيخ محمد أحمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، أن المقدسيين يبذلون غاية جهدهم للوصول إلى المسجد الأقصى المبارك للصّلاة فيه بشتى الطرق، منوّهًا في حوار خصّ به ”الخبر” بالمرابطين على أكناف بيت المقدس حفاظًا على هويّتها وعروبتها وقداستها. مع حلول شهر رمضان المعظم وككل سنة، يشدّد الكيان الإسرائيلي إجراءاته التعسفية للتضييق على أهلنا لمنعهم من أداء الصلوات في المسجد الأقصى المبارك، فكيف تواجهون هذا التضييق؟ وما تأثيره على المقدسيين؟ من الأساليب التعسفية التي يستخدمها الاحتلال للتضييق على القدس والمرابطين حولها، منع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى، حيث تقوم سلطات الاحتلال منذ الانتفاضة الأولى بمنع سكان قطاع غزة من الوصول للمسجد الأقصى بشكل نهائي، وتمنع سكان الضفة الغربية من الصلاة في المسجد طوال العام وتسمح فقط لمن تتجاوز أعمارهم 40 عاماً في شهر رمضان وأيام الجمع، فيعاني الفلسطينيون كثيراً إن أرادوا تأدية صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وذلك لصعوبة الإجراءات والقيود والحواجز الأمنية الإسرائيلية المشددة. ومن عادة قوات الاحتلال أن تفرض منذ ساعات الفجر طوقاً عسكرياً مشدداً على مداخل المدينة، حيث تغلق منافذ مدينة القدس ومداخلها جميعها، كما تكثّف من تواجدها عبر نصب الحواجز العسكرية في محيط البلدة القديمة وبواباتها، ويتعرّض المصلون للتفتيش الدقيق، كذلك يتم إغلاق المناطق المحيطة بالمسجد الأقصى أمام حركة سير المركبات الخاصة في واد الجوز ورأس العامود، والشيخ جراح وحي المصرارة ووادي حلوة في سلوان، ويتسبب الإغلاق بتكبيد المصلين مشقة كبيرة جراء السير على الأقدام للوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، خاصة كبار السن والمرضى. وننوّه إلى أن سلطات الاحتلال تفرض قيوداً على المسلمين والمسيحيين على السواء، خصوصاً الذين يقيمون خارج الجدار للحيلولة دون وصولهم إلى أماكنهم الدينية. كما أنها تحيط المسجد الأقصى بالكاميرات التي ترصد ما يجري في الداخل، فالقلق ينتاب المسلمين فيما يتعلق باقتحامات المسجد والتهديدات المعلنة من قبل جماعات يهودية ضده وضد رواده، وحرمان المسلمين من دخوله بشكل شبه دائم. ما مستقبل المسجد الأقصى في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وعمليات الحفر تحت أساساته؟ تصاعدت في الآونة الأخيرة الهجمة الاحتلالية على مدينة القدس سعياً لتهويدها بالكامل، ومحاولة طمس أي معلم إسلامي فيها، ومحاولة وضع اليد على المسجد الأقصى المبارك، وتدنيس ساحاته يوميا، من خلال اقتحام المئات من المستوطنين لها، وإقامة الشعائر والترانيم اليهودية المزعومة، بمشاركة حاخامات وقادة سياسيين تحت حماية أفراد شرطة الاحتلال لفرض أمر واقع، وتمهيداً لتقسيم ساحات المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، إضافة إلى التهديد بهدم المسجد الأقصى، ومحاولة ذلك مرات عديدة، بهدف إقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، لا قدّر الله، فالاحتلال لا يدخر جهداً لتهويد المدينة المقدسة، فهو يصادر آلاف الدونمات من أراضي المقدسيين، وكان آخرها المشروع الاستيطاني الجديد في القدسالمحتلة ومناطق ”1E” الفاصلة بين أراضي المدينة المقدسة والضفة الغربية، الذي من خلاله ستتم مصادرة مئات الدونمات لإقامة ما لا يقل عن 3500 وحدة سكنية لإسكان 15 ألف مستوطن جديد. كما أن هذه الحفريات ما زالت تهدد كثيراً المقابر الإسلامية التي تعدّ من أقدم المقابر الإسلامية في القدس، والتي تحوي رفات الصحابيين عبادة بن الصامت وشداد بن أوس، والعديد من الصحابة والتابعين ورجال العلم. كذلك بدأت الحفريات بالتوغل تحت أرضية المسجد الأقصى المبارك، والتي ما تزال مستمرة حتى اليوم، وقد ركّز الصهاينة عملهم تحت باحات المسجد القدسي الشريف، حيث بدأوا بتفريغ الأتربة من تحت باحاته، ولعل هذه الحفريات هي الأخطر، لأنها تقع مباشرة تحت باحات المسجد خصوصاً تحت المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرّفة، وقد بدأت تظهر آثار ذلك، فقد أخذت بعض الشقوق تظهر جلياً للعيان في قطع الرخام في قبة الصخرة والمسجد الأقصى. فألم الاحتلال ملازم لكل مصل، ولن يزول إلا بزوال الاحتلال، ورغم ذلك، فإن للصلاة في المسجد الأقصى اهتماماً خاصاً في عيون الشعب الفلسطيني، فيبذلون غاية جهدهم للوصول إليه بشتى الطرق والمناسبات المتاحة. كيف يحيي المقدسيون شهر رمضان؟ القدس زهرة المدائن ومسرى نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومازالت تحتفظ بمكانتها، رغم ما تتعرض له من انتهاكات وتدمير، ومحاولات التهويد من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فقد أبت المدينة المقدّسة بالمرابطين فيها أن تتخلى عن هويتها وعروبتها وقداستها، ومع قدوم شهر رمضان المبارك يستشعر القادم إلى هذه المدينة المقدسة بالبركة والفرحة، فيما يستشعر المار بين أزقتها بالأجواء الرمضانية الخاصة. فالمشهد الرمضاني في القدس له رونقه الخاص، فقبل موعد الإفطار بنصف ساعة ترى معظم المقدسيين في حركة نشطة، فهذا يسرع ليشتري المخللات، وذاك الحلويات، وما أن يقترب موعد الإفطار حتى يبدؤون بالدخول إلى منازلهم، ولا يبقى في الشارع سِوى بضعة أطفال ينتظرون أن يسمعوا أصوات الأذان، وفي ساعات الليل الأولى يصطحب المقدسي أهله وأبناءه وجيرانه لأداء صلاة التراويح، وترى المصلين يتوافدون من كل مكان، رجالاً ونساء وأطفالاً إلى باحة المسجد الأقصى للصلاة داخلها. وبعد انتهاء الصلاة يتجه المقدسيون إلى أماكن بيع الحلويات المقدسية الشهية، وشرب العصائر الطبيعية في الطرقات المؤدية إلى منازلهم، وأحياناً يذهبون لزيارة الأرحام والأقارب والأصدقاء، وهم ينتظرون رمضان في كل عام كي يعيد لهم فرحتهم المسلوبة بفعل ممارسات الاحتلال، حيث تمنع كثيراً منهم من دخول المسجد الأقصى المبارك لإقامة الشعائر الدينية. كيف يقضي فضيلتكم يومه في رمضان؟ إن عبء الأمانة ثقيل، والواجب يملي علينا أن نتلمس معاناة شعبنا بعامة، ومعاناة أهلنا في القدس بخاصة، وأن نحثهم على الصبر والثبات، وننصح لهم ونبيّن الأحكام الشرعية اللازمة من خلال منبر المسجد الأقصى، ووسائل الإعلام الأخرى. كذلك لا يسعنا إلا أن نبثّ روح التفاؤل بين أبناء شعبنا بعيداً عن اليأس والتشاؤم، حيث لا مكان لذلك في حياة المسلم، ولا ينبغي أن تكون الظروف المحيطة ومرارة الواقع وبطش الأعداء وخذلان الأصدقاء، مدعاة إلى الإحباط، بل لا بد لنا من أن نحسن الظن بالله تعالى دائماً، وأن نأمل بنصره القريب، إن شاء الله تعالى. ما توجيه الشيخ للمسلمين في هذا الشهر الفضيل؟ على العرب والمسلمين في فلسطين التشبّث بأرضهم، مرابطين على ثرى هذه الأرض المباركة، مستشعرين بفضل هذه الديار والمرابطة فيها، والله تعالى يقول: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” آل عمران:200. وليغرس أولياء الأمور في قلوب أبنائهم، حب هذه الديار وبيان فضلها، مع غرس روح الثبات والصبر، وتحذيرهم من مغبة الهجرة منها، وتذكيرهم بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ من أمتي على الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ، إلا ما أَصَابَهُمْ من لأْوَاءَ حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قال: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ” مسند أحمد، تتمة مسند الأنصار، وقال شعيب الأرناؤوط حديث صحيح لغيره دون قوله: ”قالوا: يا رسول الله، وأين هم..إلخ. وعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ، أَنَّ مَيْمُونَةَ، مَوْلاةَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: ”أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ؟ قَالَ: فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ” رواه أحمد، فهذا الحديث يوجّه نداءً للمسلمين في العالم كافة لمؤازرة أهل فلسطين المرابطين على أرضهم المباركة، ليبقى أهل هذه الأرض شوكة في حلق الأعداء الذين يسعون إلى ترحيل الفلسطينيين والاستيلاء على البلاد.