قال اللّه تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللّه جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}. فذهاب عام ومجيء آخر أمر يستدعي منَّا الوقوف مع أنفسنا وقفة جدية للمحاسبة الصادقة؛ وذلك لأنّ مَن غَفَل عن نفسه ضاعَت أوقاته، واشتدّت عليه حسراته، وأيُّ حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حُجّة، وتقوده أيّامه إلى مزيد من الشقاوة، ورد في الأثر: [أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا]. الجزائر: عبد الحكيم ڤماز ❊ إنّ محاسبة النّفس أمر عسيرٌ لكنّه يسيرٌ لِمَن يَسَّرَه اللّه لذلك، ومن أهم الأمور المعينة على محاسبة النّفس: استشعار رقابة اللّه على العبد واطلاعه على خطاياه، فإذا عَلِمَ العبد ذلك استيقظ من غفلته وقام من رقاده، وقويت إرادته على محاسبة نفسه ومجاهدتها. ومعرفة العبد أنّه كلّما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم استراح من ذلك غدًا، وكلّما أهملها اليوم اشتدَّ عليه الحساب غدًا. ومحاسبة النّفس تنقسم إلى قسمين، قسم قبل العمل، وقسم بعده. أمّا الأوّل: فهو أن يقف العبد عند أوّل هَمِّه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتّى يتبيّن له أيمضي أم يترك، قال الإمام الحسن البصري رحمه اللّه: [رحم اللّه عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان للّه مَضَى، وإن كان لغيره تَوَقّف]. أمّا القسم الثاني: وهو محاسبة النّفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع: أحدهما: محاسبة النّفس على طاعة قَصّرْتَ فيها في حق اللّه تعالى فلم تؤدِّها على الوجه المطلوب. الثاني: أن يُحاسِب نفسه على كلّ عمل كان تركه خيرًا من فعله. الثالث: أن يُحاسِب نفسه على أمر مباح، أو معتاد لمَ فعله؟ وهل أراد به اللّه والدار الآخرة؟ فيكون ذلك رابحًا، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح، ويفوته الظفر به. وتكون محاسبة النّفس على هذا النّحو الّذي ذكره الإمام ابن القيم رحمه اللّه: أوّلاً: البدءُ بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصًا تداركه. ثانيًا: ثُمّ المناهي، فإذا عرف أنّه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية. ثالثًا: محاسبة النّفس على الغفلة، ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على اللّه جلّ جلاله. رابعًا: محاسبة النّفس على حركات الجوارح من كلام اللسان ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، وغيرها، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلت؟ وعلى أي وجه فعلته؟ كتب سيّدنا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى بعض عُمّاله يقول له: ”حاسِب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدّة؛ فإن مَن حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدّة عاد أمره إلى الرضاء والغبطة، ومَن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة”. وقال الحسن البصري: [لا تلقى المؤمن إلاّ يحاسب نفسه، ماذا أردت أن تعملي؟ ماذا أردت أن تأكلي؟ وماذا أردت أن تشربي؟ والفاجر يمضي قدمًا لا يحاسب نفسه]. وقال ميمون بن مهران: [لا يكون العبد تقيًّا حتّى يكون لنفسه أشدّ محاسبة من الشّريك لشريكه، ولهذا قيل: النّفس كالشّريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك]. وقال مالك بن دينار: [رحم اللّه عبدًا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثمّ ذمّها، ثمّ خطمها، ثمّ ألزمها كتاب اللّه فكان لها قائدًا].