روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”أفضل الصّيام بعد رمضان شهر اللّه المُحرَّم، وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل”، فالصّوم في شهر مُحرّم من أفضل التطوع. لقد سمَّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المُحرَّم شهر اللّه، وإضافته إلى اللّه تدلُّ على شرفه وفضله، ولمَّا كان هذا الشّهر مختصا بإضافته إلى اللّه تعالى، وكان الصِّيام من بين الأعمال مضافًا إلى اللّه تعالى، فإنّه له من بين الأعمال، ناسب أن يختصّ هذا الشّهر المضاف إلى اللّه بالعمل المضاف إليه، المختصّ بهِ، وهو الصّيام. فالصّيام سرٌّ بين العبد وبين ربّه، ولهذا يقول اللّه سبحانه وتعالى: {كلّ عمل ابن آدم لهُ إلاّ الصّوم فإنّه لي وأنا أجزي به، يدَعُ شهوتَهُ وطعامَهُ وشرابهُ من أجلي”، رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي اللّه عنه. وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”إنَّ في الجنَّةِ بابًا يُقالُ لهُ الرَّيان يدخلُ منهُ الصَّائِمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحدٌ غيرهم يقال: أين الصَّائِمون؟ فيدخلون منهُ فإذا دخل آخِرُهُم أغْلِقَ فلم يدخُل منهُ أحدٌ” رواه مسلم. واحرص على اغتنام هذه الفرصة في هذهِ الأيّام العظيمة، قَبل أن يَحولَ الموتُ بينها وبينك، وتَذكّر ما رواه مسلم عن أبي قَتادة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سُئل عن صيامِ يومِ عاشوراء، فقال: ”يُكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية”، وما رواه عن ابنِ عبّاس رضي اللّه عنهما أنَّ رسولَ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قَدِمَ المَدينةَ فوجدَ اليهودَ صيامًا، يومَ عاشوراء. فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”ما هذا اليوم الّذي تصومونهُ؟” فقالوا: هذا يومٌ عظيم، أنجى اللّه فِيهِ موسى وقومَهُ، وغرَّقَ فرعونَ وقومَهُ، فصامَهُ موسى شكرًا، فنحنُ نصومُهُ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”فنحنُ أحقُّ وأولى بِمُوسى مِنكم”. فصامَهُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمرَ بصيامِه. والسُّنَّة أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده. وقد ورد في صومه فضل عظيم، عن أبي قَتادةَ رضي اللّه عنه قال: سُئِل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن صيامِ يومِ عاشوراء فقال: ”يُكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية” رواه مسلم. وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ”افعلوا الخير دهركم، وتعرّضوا لنفحات رحمة اللّه، فإنّ للّه نفَحَات من رحمتهِ، يُصيب بها من يشاء من عبادهِ، وسلوا اللّه أن يستر عوراتكم، وأن يؤمِّن رَوْعَاتكم” أخرجهُ الطبراني. فالسَّعيدُ مَن اغتنم مواسم الشّهور والأيّام والسّاعات، وتقرَّبَ فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطّاعات، فعسى أن تُصيبه نفحةٌ من تلك النّفحات، فيَسعد بها سعادةً يأمن بعدها من النَّار وما فيها من اللّفحات. فمِن أعظم نفحَاتِهِ مصادفة ساعة إجابة يسأل فيها العبد الجنَّة والنَّجاة من النَّار، فيُجابُ سُؤاله، فيفوز بسعادة الأبد، قال اللّه تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} آل عمران:185، وقال اللّه تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} هود:106-108.