سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الهزّات الارتدادية لاحتجاجات السودان تمتد إلى داخل الحكومة والحزب الحاكم الاتحادي الديمقراطي يلوّح بالانسحاب من الحكومة وتيار إصلاحي داخل المؤتمر الوطني
تسببت الاحتجاجات الاجتماعية العنيفة التي ضربت السودان، نهاية الشهر الماضي، في هزات ارتدادية داخلية أثّرت على تماسك الائتلاف الحكومي بين المؤتمر الوطني الحاكم وحليفه الاتحادي الديمقراطي، وامتدت هذه الهزّات إلى صفوف الحزب الحاكم نفسه، عندما نشر ما يعرف ب«التيار الإصلاحي” داخل الحزب الحاكم مذكرة ترفض ما أسمته ”الاستعمال المفرط للسلطة”. ”الخبر” زارت الخرطوم، وأجرت حوارين مع كل من الناطق الرسمي باسم حزب الاتحادي الديمقراطي إبراهيمي الميرغني الذي لوّح بانسحاب حزبهم من الحكومة بسبب رفضهم لسياسة شريكهم في الحكومة، والثاني مع ياسر يوسف المتحدّث الإعلامي باسم المؤتمر الوطني الحاكم الذي اتهم الجبهة الثورية بالوقوف وراء الاحتجاجات التي هزّت الخرطوم، وانتقد الإصلاحيين داخل الحزب الذين جاهروا بمواقفهم الناقدة خارج مؤسسات الحزب. المتحدث باسم المؤتمر الوطني الحاكم، ياسر يوسف، ل”الخبر” الجبهة الثورية ليست بعيدة عن أحداث الخرطوم السودان تفادى فتنة كبرى نتيجة وعي الشعب لماذا تعامل الحزب الحاكم مع بيان الإصلاحيين بشكل انضباطي، بدل طرح الأفكار التي تضمنها البيان للمناقشة؟ فيما يخص قضية المذكرة التي قدّمت لقيادة الحزب، دعني أقول إنه ليست هناك أي مشكلة في الموضوعات التي تطرّقت إليها من حديث عن الإصلاح، لأن الحزب نفسه في أوعيته الحزبية والتنظيمية الداخلية ظلّ يعكف على إعداد رؤية متكاملة لإصلاح الشأن العام وتطوير أدائه، حتى إن آخر اجتماع سياسي للحزب كان مخصصا بالكامل لدراسة كل الأوراق التي قدّمت في الفترة الماضية لقضية الإصلاح ومن ثم التقدّم بمشروع متكامل لقضية الإصلاح. هناك ملاحظتان رئيسيتان في ما يخص ما تقدّم به الإخوة الكرام، الأولى أنهم روّجوا لهذه المذكرة خارج مؤسسات الحزب، وكان بإمكانهم تقديم مذكرتهم هذه وفق ما تحدده لوائح الحزب الداخلية. ونحن نعلم أن بعضهم أعضاء حتى في المكتب السياسي للمؤتمر الوطني، لذلك كان من المفروض أن يقدّموا ملاحظاتهم هذه داخل أوعية الحزب. الملاحظة الثانية والجوهرية هو التوقيت الذي قدّمت فيه المذكرة عندما كانت الأحداث التخريبية الواسعة التي شهدتها الخرطوم بعد إعلان الإجراءات الاقتصادية، بما يوحي بأن مقدّمي المذكرة حاولوا أن يتبرأوا من الحزب في لحظة فاصلة ومهمة وحرجة، ولكن الثابت مبدأ أن كل حزب في الدنيا تكون له لوائحه إذا تم تجاوز تلك النظم واللوائح، فمن الطبيعي أن تعمل فيه المحاسبة. هناك حديث متواتر عن ميليشيات للمؤتمر الوطني قامت بإطلاق النار على المحتجين، هل تؤكدون أو تنفون هذه الإشاعات؟ هذا ادّعاء قال به صحفي واحد كان منقولا على الهواء. لم أطلع على أي كلام من هذا القبيل في أي صحيفة سودانية وهي أكثر من 20 جريدة سياسية، لكن هناك صحفيا قال ذلك، وأعتقد أنه اعتذر لمن كانوا في المؤتمر الصحفي. لكن دعني أقول إن المؤتمر الوطني هو حزب سياسي مسجل وفقا لقانون الأحزاب السياسية الذي يحظر ويمنع أي حزب من امتلاك ميليشيات سياسية، فلا مجال للقول إن المؤتمر الوطني لديه ميليشيات سياسية هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الأحداث التي تابعناها تعاملت الشرطة معها بكل مهنية. من يقف وراء أحداث الخرطوم، حسبكم، وهل كانت عفوية أم مدبّرة؟ أعتقد أن الأحداث التي شهدتها الخرطوم كانت منسقة ومرتبا لها، وتلك الأحداث أعدّت لها جهات محترفة في التدمير والتخريب، والجبهة الثورية ليست بعيدة عما جرى في الخرطوم بدليل البيانات التي صدرت عنهم بعدما فشل مخططهم، فبيان ياسر عرمان (قيادي سابق في جبهة تحرير السودان- قطاع الشمال) الذي أعلن صراحة أن هذه الهبّة تهدف لإسقاط النظام، وتعرّض قوات الأمن لإطلاق الرصاص الحي والتخريب الذي استهدف أماكن حيوية في الخرطوم بهدف شلّ العاصمة لأنهم استهدفوا المخابز ومحطات الوقود ومحطات الكهرباء والمواصلات العامة حرقت في اليوم الأول فأكثر من 40 حافلة نقل عامة، كل ذلك كان الهدف منه إحداث الندرة في المواد الأساسية في الخرطوم حتى يهبّ الشعب السوداني ضد الحكومة، لكن الشعب كان أوعى من هؤلاء وتعامل بحس وطني ومسؤول، وتجاوز بالسودان أحداث الفتنة، وكان من الممكن أن يشهد السودان فتنة كبيرة لكن الحمد للّه وعي المواطن السوداني جعلنا نتجاوز هذه الفتنة. لكن محتجين تحدثوا ل«الخبر” أكدوا أنهم لا ينتمون إلى الجبهة الثورية، بل فيهم من هم من أنصار الرئيس البشير، وأن غضبتهم تلك كانت عفوية أرادوا من خلالها التعبير عن رفضهم لتلك الزيادات، فلماذا الإصرار على ربط تلك الاحتجاجات فقط بالجبهة الثورية؟ لا يستقيم عقلا ولا منطقا أن يكون أحد من أنصار البشير قد خرج وخرب الممتلكات العامة التي شيدها البشير. المخرّبون تقف من ورائهم أجندة سياسية حاولت أن تستثمر في الأحداث وتستغل الإجراءات الاقتصادية التي أعلنت من أجل الوصول إلى أهداف سياسية. لكن كما قلت الشعب كان أوعى من هؤلاء، وفي اليوم الثالث للأحداث كان التحرك سلميا لبعض الأحزاب السياسية، لكن اليومين الأولين (الأربعاء والخميس) كان كل ما شهدناه حرق وتخريب واعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. الناطق الرسمي باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي، إبراهيم الميرغني، ل”الخبر” ليس هناك أي دليل على أن الجبهة الثورية وراء أحداث الوقود على الحكومة السودانية أن تعترف بخطئها هناك أخبار متضاربة عن انسحاب أو عدم انسحاب حزب الاتحادي الديمقراطي من الحكومة، ما هو القرار الرسمي الذي خرجتم به لحدّ الآن؟ لم يكن هناك أي تضارب في موقف الحزب، بل كان هناك خلل في فهم الإعلام، فلجنة المتابعة والتغيير في الحزب اجتمعت لدراسة قرار الحكومة رفع أسعار الوقود وما تلاها من أحداث عنيفة. وأصدرت اللجنة توصية رُفعت إلى رئيس الحزب للانسحاب من الحكومة، كما أصدرنا مذكرة أعلنا فيه رفضنا لقرارات الحكومة برفع الدعم لأسعار الوقود دون علمنا أو مشاورتنا. كما أكدنا على أن التظاهر حق مكفول للجميع، ومع ذلك سقط قتلى خلال هذه التظاهرات، فالوضع السياسي في البلاد وصل إلى طريق مسدود، والمناورة السياسية انعدمت تماما. ما هو الحلّ بنظر حزبكم للخروج من هذا الوضع السياسي والاقتصادي المتأزم؟ أمامنا خياران؛ إما الاتجاه بالبلاد إلى حرب أهلية، أو اختيار الحلّ الشعبي الذي هو بيد الحكومة والذي يرضي كافة الأطراف، وذلك من خلال عقد مؤتمر قومي دستوري يحدد شكل الحكم الدستوري ويقوم بتشكيل حكومة انتقالية، أما بالنسبة للجانب الاقتصادي فنحن ضد قرار رفع دعم الدولة لأسعار الوقود، واستدنا في ذلك لآراء خبراء اقتصاديين، لكنهم لم يهتموا برأينا بل لم يطرحوا هذا القرار على الحكومة. هل صحيح أن المحتجين قاموا بالتخريب والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة بإيعاز من الجبهة الثورية المتمردة؟ هذا نوع من رمي العبء على الآخر، فالحكومة تحاول أن تداري عن القتلى الذين سقطوا في اليوم الأول خاصة، فيجب على الحكومة أن تعترف بالخطأ، فليس هناك أي دليل بأن الجبهة الثورية هي التي تقف وراء تلك الأحداث، كما أن أي إنسان يقتل سواء من معارضي الحكومة أو من أنصارها يعتبر مسؤولية الحكومة، وهذا يعني أن الحكومة لا تستطيع حماية أرواح الناس. الحكومة ترى أن فقدان نفط الجنوب حتّم عليها رفع دعمها للأسعار لتفادي انهيار الاقتصاد، فما هي الخيارات الأخرى التي ترونها مناسبة لتفادي الانهيار دون رفع الدعم؟ الحكومة هي نفسها سبب أزمة الاقتصاد السوداني، فالأزمة الاقتصادية ناتجة عن انفصال الجنوب وعدم إقامة علاقات طيبة معه، كما أن الحكومة عندما استخرجت النفط (قبل الانفصال) أهملت القطاعات الأخرى وخاصة القطاع الزراعي، السبب الثالث للأزمة الاقتصادية يتعلق بحصار السودان نتيجة السياسة الخارجية للحكومة، وبالتالي فالأزمة الاقتصادية في السودان هي أزمة سياسية في الأصل. أنتم شركاء في الحكومة، وبالتالي تتحملون جزءا من المسؤولية في نجاح أو فشل هذه الحكومة، فماذا حققتم للسودان عبر مشاركتكم في هذه الحكومة الائتلافية؟ هذه حكومة الحزب الواحد، فنحن حصلنا على 2 بالمائة من الأصوات في الانتخابات التشريعية الماضية، وأردنا أن نشارك في الرأي في الحكومة. وخلال عامين من دخولنا الحكومة كانت مدة كافية لنعرف أنه لا أهمية لوجودنا في الحكومة.