فَرضَ اللّه عزّ وجلّ الزّكاة على الرّجال والنّساء سواء، متى تحقّقت أسبابها وشروطها، قال اللّه سبحانه وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ} البقرة:43، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} التوبة:34-35. يظهر فضل الزّكاة من خلال أنّها ثالث أركان الإسلام الخمسة، لما في الحديث: ”بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت”. واقترانها بالصّلاة في كتاب اللّه تعالى، فحيثما ورد الأمر بالصّلاة اقترن به الأمر بالزّكاة، قال تعالى: {وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وما تُقَدِّموا لأنفُسِكم مِن خيْر تجدوه عند اللّه} البقرة:110، ومن هنا قال سيّدنا أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه في قتال مانعي الزّكاة: ”واللّه لأقَاتِلَنّ مَن فرّق بين الصّلاة والزّكاة، إنّها لقرينتها في كتاب اللّه”. لقد أوجب اللّه عزّ وجلّ أداء فريضة الزّكاة، فعلى مَن وجبت عليه الزّكاة أن يلتزم بإخراجها وأن يضعها في مصارفها الشّرعية ولا يجوز لأحد أن يحتال لإسقاط هذه الفريضة، ويُحرَم الفِرار من الزّكاة، وذهب جمهور العلماء إلى أنّ مَن حاول الفرار من الزّكاة فإنّها تُؤخَذ منه ويُعامَل على خلاف قصده. وممّا يدل على تحريم الفرار من الزّكاة ما ورد عن أنس رضي اللّه عنه: أنّ أبا بكر رضي اللّه عنه كتب له فريضة الصّدقة الّتي فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”ولا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة” رواه البخاري. قال ابن حجر رحمه اللّه في ”فتح الباري” ج4 ص56: ”قال مالك في الموطأ: معنى هذا الحديث أن يكون النّفر الثلاثة لكلّ واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزّكاة فيجمعونها حتّى لا تجب عليهم كلّهم فيها إلاّ شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتَا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرّقونها حتّى لا يكون على كلّ واحد إلاّ شاة واحدة. وقال الشافعي: هو خطاب لربّ المال من جهة وللسّاعي من جهة فأمر كلّ واحد منهم أن لا يحدث شيئًا من الجمع والتّفريق خشية الصّدقة. فربّ المال يخشَى أن تكثر الصّدقة فيجمَع أو يفرق لتقل والسّاعي يخشى أن تقل الصّدقة فيجمع أو يفرّق لتكثر، فمعنى قوله ”خشية الصّدقة” أي خشية أن تكثر الصّدقة أو خشية أن تقل الصّدقة فلمّا كان محتملاً للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر فحمل عليهما معًا. لكن الّذي يظهر أن حمله على المالك أظهر واللّه أعلم”. وقال ابن القيم رحمه اللّه في ”إعلام الموقعين” ج3 ص172: ”ويدل على تحريم الحيل الحديث الصّحيح وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ”لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة”، وهذا نصّ في تحريم الحيلة المفضية إلى إسقاط الزّكاة أو تنقيصها بسبب الجمع والتّفريق، فإذا باع بعض النِّصاب قبل تمام الحول تحيّلاً على إسقاط الزّكاة فقد فرّق بين المجتمع فلا تسقط الزّكاة عنه بالفرار منها”. وقد نعى اللّه عزّ وجلّ تحيّل اليهود لانتهاك المحرّمات فقال سبحانه وتعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} الأعراف:163. وورد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: ”لا ترتكبوا ما ارتكبت يهود فتَسْتَحِلُّوا محارم اللّه بأدنى الحيل”. وقد حذّر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من مانع الزّكاة، روى البخاري عن أبى هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”مَن آتاه اللّه مالاً فلم يُؤدِّ زكاته، مَثَّل له يوم القيامة شُجَاعًا أقْرَع، له زَبيبَتان، يُطَوِّقُه يوم القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمتيه- أي بشدقيه- ثمّ يقول: أنا مالُك، أنا كنزك، ثمّ تلا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {ولاَ يَحْسِبَنَّ الّذِينَ يَبْخَلُون بِمَا آتَاهُمْ اللّه مِنْ فَضْلِه هُو خيرًا لهُم، بل هُو شَرٌّ لهم، سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِه يومَ القيامة} آل عمران:180. الشّجاع: الحيّة الذّكَر، والأقرع: الّذي لا شعر له، لكثرة سُمِّه، وطول عمره. الزّبيبتان: نقطتان سوداوان فوق العينين وهو أخبث الحيّات.