في التشيلي حكمت الرئيسة ميشيل باشليه البلاد من 2006 إلى 2010، كانت التشيلي حينها مازالت تتعافى من آثار نظام عسكري شمولي دكتاتوري غاصب، كان يقوده الدكتاتور الجنرال الرهيب بينوشيه. خلال فترة حكمها، لم تبسط هذه السيدة التي عاشت في المنفى لسنوات يدها على الإدارة، ولم تضع العدالة تحت سطوتها، ولم تستعن بقضاة الغفلة لسرقة أحزاب في الليل، لم تفتح دكاكين للزبائنية السياسية، ولم تكن بحاجة إلى “عمار وزمّار”، لم تحول ملاعب كرة القدم إلى ساحات للدعاية السياسية، لم تسمح لنقابة، كنقابة بقايا العمال والبروليتاريا أن تتمسح لها، ولم تطلب من اتحاد الفلاحين أن يتذلل لها، كانت تقول إن عرق الفلاحين يسقي القمح في الحقول، وجبين العمال عال لا يتذلل. لم تنتقم هذه السيدة التي تعرضت للتعذيب في عهد نظام بينوشيه، ممن عذبها في سنوات القمع والديكتاتورية، كما لم تنتقم ممن نافسوها في الانتخابات الرئاسية ومؤيديهم، لم تتحرش بهم بالضرائب، ولم تسلط عليهم العدالة، ولم تطردهم من وظائفهم. عند نهاية ولايتها الأولى في العام 2010، كانت السيدة باشليه تحظى بنسبة تأييد 84 بالمائة من التشيليين، ومع ذلك، لم تدع الشعبية ولم تتمسك بالكرسي، لم تزعم الشرعية التاريخية بصفتها مناضلة تعرضت للتعذيب والنفي والقهر، قبلت بقواعد التداول الديمقراطي، ولم تعدل الدستور للبقاء في السلطة. في انتخابات 2010، قبّلت هذه السيدة رأس الديمقراطية وذهبت إلى بيتها، لم تنشق الأرض ولم تسقط السماء، وعادت بالديمقراطية مجددا إلى سدة الحكم، جاءت بالصندوق في 2006، وذهبت بالصندوق في 2010، وعادت بالصندوق مجددا في 2013. من يقبّل جبين الديمقراطية، تكتبه في دفاترها، كم هي عذبة الديمقراطية كبلاغة اللغة، حلوة كالماء، الديمقراطية علاج للفردانية وتضخم الأنا والزعامة المرصعة بجوائز الحقوق من فاروق، هي السكينة للشعب حين تحترم قواعدها، فيصير رقيبا على ماله ونفطه، فلا يسرقها شكيب. كالصلاة حين تؤدى بأركانها، فتردع الناهب والكاذب وشاهد الزور. محظوظة الشيلي التي ليس فيها “العمّار والزمّار” و”غريب وفاروق”، و”بلقاسم وقادة”، ومحظوظة الشيلي بهذه السيدة التي تدين بالصندوق، وتتحدث بلاغة الديمقراطية... أوَلاَ يقول المثل الجزائري “عيشة خير من عياش”.