لن تكون المرافعة حديثا يُفترى، ولا فتنة تتردّد، تلك مرافعة روى بها تاريخ الملحمة النوفمبرية، نبأ أعظم مؤسسة اكتمل بها بنيان الثورة المظفرة، وكانت حصنا منيعا لهذه الثورة الملحمية، ذلك أن تاريخ الملحمة النوفمبرية وبعرضها لم تشهد من التوثيق وتحرّى الحقيقة، ما شهدته هذه الملحمة من تاريخ العرب والمسلمين، حيث توافر على نسجها والاستشهاد في سبيلها ثلة ظهرت في أمة أدهشت الأعداء وحيّرت الأصدقاء، حيث قدّمت تضحيات جسام، نهضت بها قوافل من الشهداء، متساوقة في أهدافها، لم تترك من تلك الملحمة ثغرة إلا وسدّتها في وجه الأعداء. فالرمزية التي نراها في هذا المقال لأشرف مؤسسة تحصنت بها الثورة الجزائرية، وكان اسمها آنذاك (MLG) وهي تقوم بأشرس مواجهة حضارية مع فرنسا الاستدمارية.. هذه المؤسسة الأمنية ليست أسطورة، وإن بدت من حدس أبطالها كالأساطير الذين تصدّوا لكل الاختراقات التي أرادت تحريف الثورة عن مسارها: (من سلم الأبطال) إلى (الجزائر جزائرية)، إلى (اتفاقية إيفيان) التي كانت (استعمارا ثانيا) بقوة محلية لا تمتّ للثورة بشيء. إنها حقائق تاريخية ساطعة تشكّل ما كان لهذه المؤسسة من حدث نوفمبري أصيل متألق بسماء هذه الأرض الطاهرة بدماء شهدائها، وإن هذه المؤسسة لتسمو وتتألق، لا بقدر ما يريد لها كاتب مثلي، بل بقدر ما أراد أصحابها، وبقدر ما بذلوه من تضحيات في سبيل تحصين الثورة من كل الاختراقات التاريخية والحضارية والأمنية. وصاحب هذا المقال لا يزعم لنفسه القدرة على المرافعة على رمزية هذه المؤسسة التي تعتبر بيقظتها النوفمبرية التي تصدّت إلى الاختراقات التي أرادت أن تشلّ مسار الثورة، وتحرّف مجراها عن انتمائها الحضاري، الذي أكده البيان بنصّه (إعادة بناء الدولة الجزائرية.. في إطار المبادئ الإسلامية). وليست هذه المرافعة محاولة للدفاع عن المؤسسة الأمنية، ولكنها رواية مختصرة لفتنة أراد أن يثيرها مطبّل بالأصل والممارسة، بتوجيه من وجوه مستعارة تريد أن تدمّر البلاد بإيحاء من المخابرات الفرنسية (DST)، التي تريد أن تنتقم من هذه المؤسسة بأثر رجعي وتسترجع الفردوس المفقود، وتجعل على رأسه هذه الوجوه المستعارة التي لا تمتّ إلى الملحمة النوفمبرية بصلة. لذا اخترت خيوط هذه الفتنة التي تتصل ببعض ما يثار اليوم في الحملة على (DRS) التي حمت البلاد من الانهيار المبرمج من قِبل (DST)، ولم يكن هدفي أن أدافع أو أسجل للتاريخ، فذلك كله لم يحن أوانه بعد، وإنما هدفي من هذه المرافعة أن يعرف الشعب الجزائري، وتعرف بعض الأقلام التي استدرجت لهذه الفتة لتبرير تصريحات ”المطبّل” بالأصل والممارسة، على أنها بداية للتأسيس للسلوك الديمقراطي، علما أن هذه الأقلام التي اشتهرت بعدم الثبات على المبدأ، وتفتقر إلى خلفية فكرية وحضارية كانت شهرتها من صنع (DRS) وتنكروا لذلك (إذا أكرمت اللئيم تمرد). وما زاد في ألمي أنني قرأت ركنا لقلم يفترض فيه الوطنية والموضوعية، يبرّر فيه تصريحات ”المطبّل” بالأصل والممارسة، حيث شبّهه بعبّان رمضان، وهي إهانة لشخصية عبّان المنظم لمسار الثورة بمؤتمر الصومام مهما قيل عن نتائج هذا المؤتمر. ما أتعس هذه المقارنة، وليت صاحب الركن يستدرك ذلك مستقبلا. أين وجه المقارنة بين عبّان الذي كان محاطا بشخصيات تاريخية في مؤتمر الصومام وبين ”المطبّل” بالأصل والممارسة الناطق الرسمي للوجوه المستعارة التي تختفي وراء الستار، وتحرّك خيوط الفتنة بإيعاز من المخابرات الفرنسية (DST). إن الحقيقة ليست بتصريح ”المطبّل” بالأصل والممارسة، والذي أراد أن يطعن الجزائر في صميمها، ويصوّب سهامه المسمومة إلى قلبها النابض عن طريق تشويه ممارسات (DRS) في المحنة الدموية التي حلّت بنا، وذلك بتصريح، دبّج بلغة الاستيطان، من أجل جزأرة الاستيطان، والقضاء على الروح النوفمبرية، ليستريح الاستيطان ويؤسس لجملوكية تتوّج عليها الوجوه المستعارة أبناء وأحفاد، لكن هيهات أن يكون لهم ذلك، وهم يحتضرون تاريخا ووجودا. لماذا نرافع عن (DRS)؟ لأنها هي الجوهر فينا والمعنى في ما حولنا وهي حصننا المنيع الذي تصدى للأمواج المتوسطية المتصهينة، التي أرادت اجتياحنا بعد المحنة الدموية التي برمجت في مخابر (DST) نرافع عن هذه المؤسسة، لأنها المرآة التي نرى فيها المتآمرين في المقام الأول في مختلف الاتجاهات والأوضاع: (الإيليزي، فال دوغراس) مصحة المشلولين التي دبّج فيها مرسوم تفتيت (DRS). لماذا نرافع عن DRS؟ لأننا نريد أن نكون نوفمبريين ونبقى كذلك معبّرين عن جوهر ملحمتنا التي هي سبب وجودنا، ومن يحمي الجوهر إذا اختفت من المشهد (DRS)؟ من هنا فالمرافعة من أجل هذه المؤسسة فريضة نوفمبرية، والاحتماء بها حتمية وطنية، لأن ”المطبّل” ومحيطه هتكوا الأستار عنا، ويريدون أن يسوقوا هذه الأمة إلى معارك الهوان والجنون والموت بعيدا عن أعين (DRS). وستبقي (DRS) المؤسسة الوطنية بالأصل والانتماء والتاريخ، أبلغ من ألسنة المطبل الذي استجاب استجابة بافلوفية للوجه المستعارة، الذين هم في الأصل قناعا ل (DST)، ولعنة ستطارد كل المتآمرين الذين يريدون أن يغتالوا في هذه المؤسسة الإخلاص للوطن، ويغتال فيها صدق الوطنية وعمق النوفمبرية، والتضحية من أجل سلامة هذا الوطن ووحدته الترابية بعد الفتنة الدموية المبرمجة. نرافع من أجل (DRS) لكي نؤكد موقفنا الثابت من هذه المؤسسة التي هي الحصن الحصين للدولة النوفمبرية: تحريرا وتعميرا، ودفعا لمكائد المتآمرين، وسنبقى على هذا الموقف مهما أمعن ”الطبّال” بالأصل والممارسة ومن ورائه (DST) الملثمة بنقاب الوجوه المستعارة، ترى أليس هناك من رادع للوجوه المستعارة المستقوية ب(DST) عن المضي في طريق إثارة الفتنة المجبولة بالنكبات والانهيارات التي تصدّت لها (DRS) بحزم وعزم نوفمبريين؟ والجواب ما قال تعالى فيهم: ”أخذتهم العزة بالإثم” فهم في طغيانهم يعمهون، وكما أن النجاح يولّد النجاح، والفتنة تستقطب الفتنة، فكذلك الفشل لا يولد إلا الفشل، والانهيار لا يؤدي إلا إلى المزيد من الانهيار. هكذا يقول التاريخ، لكن الوجوه المستعارة لم تستوعب تاريخا، ولم تصنع حدثا أبيا أو محترما، ووضعهم الحالي أبلغ من أي تعليق، وسيبقون عاجزين عن إدراك طبيعة التاريخ، وسيبقون على حالهم يرددون في بأس ومرارة (نحن الغرقى فما خوفنا من البلل).