يقول اللّه سبحانه وتعالى: {أَوَ مَنْ كَانَ مَيِّتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} الأنعام:122. ضرب اللّه سبحانه هذا المثل ليتبيّن وجه الفرق بين المؤمنين المهتدين؛ للاقتداء بهم، والكافرين الضّالين؛ للتّنفير من طاعتهم، والحَذَر من غوايتهم. وأهم ما يريد هذا المثل القرآني أن يوجِّه إليه المسلم، هو التّمييز بين الكفر والإيمان، مع إثبات صورة عجيبة في أذهاننا، وهي إعادة ميت إلى الحياة، وسعيه بين النّاس بأفضل ممّا كان عليه قبل موته. لأنّ المقصود من هذا المثل القرآني الإنسانُ الكافر، الّذي يكون بمثابة الميت في كفره، فيهديه ربّه إلى الإيمان، وفي هذه الهداية تكون حياته الحقيقية. وقد وصف اللّه عزّ وجل الكفّار بأنّهم أموات في قوله: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} النّحل:21. ولكي يظلّ المهتدي على هُدَاه لا يَزِيغُ عنه ولا يَحِيد، فإنّ اللّه يجعل له نورًا دائمًا يستضيء به في درب هذه الحياة، وهذا النُّور هو القرآن المبين، الّذي هو الصِّراط المستقيم، وهو الشِّفاء لمَا في الصّدور من أمراض وعلل. والعبرة في هذا المثل أن يُطالب المسلم نفسه بأن يكون حيًّا عالمًا على بصيرة في دينه وأعماله وحسن سيرته في النّاس، وقدوة لهم في الفضائل والخيرات، وحجّة على فضل دينه على جميع الأديان، وعلو آدابه على جميع الآداب.