كشف حميد ناصر خوجة أن اهتمام الباحثين بعالم جان سيناك الأدبي ومساره النضالي تزايد خلال السنوات الأخيرة في فرنسا، بينما لم تتناوله الجزائر التي ناضل من أجلها سوى ببعض المقالات التي تعد على أصابع اليد، حيث لم يهتم سوى بعض الناشرين بما تركه سيناك، على غرار منشورات "عدن" التي خصصت كتابا ضخما صدر السنة الماضية، بعنوان "تومبو من أجل سيناك"، وهو مؤلف جماعي. اعتبر حميد ناصر خوجة، أول أمس، خلال مشاركته في ندوة بالمعهد الفرنسي في الجزائر حول جان سيناك، أن هذا الأخير يعتبر بحق ”منشطا ثقافيا فريدا، قبل وبعد حرب التحرير، ورغم ذلك يظل حضوره في المكتبات والجامعات الجزائرية قليلا جدا”. وأشاد خوجة بالتفاتة كل من جمال الدين بن شيخ ورابح بلعمري ومحمد بوطغان. وعاد ناصر خوجة في محاضرته إلى جنسية سيناك المولود بالجزائر من أب مجهول ومن أم إسبانية، وقال إن سيناك كان يشعر إلى غاية 1950 بأنه جزائري، أي من فرنسيي الجزائر، مع إيمان رسخته والدته في ذهنه أن الفرنسي في الجزائر لا يمكن أن يكون إلا متعددا. وكان سيناك خلال هذه المرحلة من حياته ينتمي إلى اليمين، حيث كان من أنصار الماريشال بيتان، لكنه سرعان ما انتقل إلى اليسار. كما أشاد خوجة بالتأثير الذي مارسه جول روا على سيناك، الذي جعله يدرك صورة ”العربي” بشكل موضوعي بعيدا عن الأحكام المسبقة. واعتبر المحاضر أن سيناك شرع بعد هذه التأثيرات في الاقتراب من الأوساط الوطنية الجزائرية، فتعرف على العربي بن مهيدي وربطته به صداقة متينة. ويعتقد ناصر خوجة أن تعرّف سيناك على بن مهيدي كان له تأثير عميق على مساره النضالي والأدبي، موضحا بأنه شرع خلال هذه المرحلة في كتابة قصائد سياسية، مضيفا أن هذه القصائد برزت بين ثناياها فكرة ضرورة استقلال الجزائر واحتوائها على عشق لا ينضب للجزائر. وحسب ناصر خوجة، فإن سيناك أصبح مقربا من جبهة التحرير الوطني خلال حرب التحرير، الأمر الذي أدى إلى وقوع قطيعة نهائية بينه وبين صديقه ألبير كامي. ويعتقد ناصر خوجة أن جان سيناك كان يشعر بأنه جزائري بالكامل في جزائر ما بعد الاستقلال، وبالضبط خلال سنوات الرئيس أحمد بن بلة الذي كان مقربا منه ومن أغلب وزراء حكومته، لكنه كان يعاني من مسألة الحصول على الجنسية الجزائرية التي بقيت، وفق ما جاء في المحاضرة، ”بمثابة مأساة حقيقية” تضاف لمأساة طرده من عمله بالإذاعة الجزائرية، الأمر الذي أوقعه في ظروف اجتماعية قاسية، فأصبح ”شاعرا ملعونا”، حسب المعنى الذي وضعه بول فيرلين. وأوضح خوجة بأن النظام الجزائري أبقى سيناك على الهامش إلى غاية قرار الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 1987، الذي أعاد له الاعتبار والذي منحه شهادة شرفية، موضحا بأن البرامج الدراسية الجزائرية أدخلت قصائد سيناك في البرامج منذ سنة 1990. من جهته، تحدث روني دو سيكاتي عن قراءاته لجان سيناك عبر الكتاب الفرنسيين الذين تعرفوا عليه، على غرار الروائي الراحل رابح بلعمري. بينما عاد مراد كرينا لظروف اكتشافه لعالم جان سيناك، عبر الفنان التشكيلي دنيس مارتيناز.