عجزت الدولة، رغم التدابير الردعية والإجراءات القانونية الصارمة التي وضعتها لتسيير نشاط الاستيراد، عن التحكم في الملايير التي يدرها هذا الأخير، حيث يفلت الجزء الأكبر من عائداته من المراقبة، ليتم تبييضه من خلال استثماره في نشاطات أخرى، أهمها شراء العقارات. عوض أن يتقلص عدد المستوردين، بعد تشديد إجراءات المراقبة داخل البنوك الوطنية، وخاصة بعد اعتماد البنوك شروطا جديدة لتوطين عمليات الاستيراد، فقد ارتفع عدد المستوردين خلال السداسي الأول فقط لهذه السنة لأكثر من 20 ألف مستورد. ويعكس ارتفاع عدد المستوردين في الجزائر، على حساب عدد المستثمرين والمصنعين، ما يجنيه المستوردون من أرباح طائلة، حولت هؤلاء إلى مليارديرات في ظرف قياسي ودون أي عناء. وأكدت الأرقام التي تحصلت “الخبر” عليها الاهتمام الواسع الذي يوليه رجال الأعمال في الجزائر لنشاط الاستيراد على حساب الإنتاج والتصدير، حيث بلغ عدد المستوردين، إلى غاية نهاية شهر جوان الماضي، 22 ألف مستورد، يقتني أغلبهم مواد ومنتجات يعاد بيعها دون تحويل أو تصنيع. ويتمركز نشاط أغلب المستوردين، حسب نفس الإحصائيات، في قطاع المواد الغذائية بأكثر من ألف مستورد، متبوعا بقطاعات أخرى مثل مواد البناء التي ارتفع عدد مستورديها خلال السنوات الأخيرة بعد إعلان الحكومة عن عدد كبير من المشاريع السكنية، خاصة في إطار ما يعرف بسكنات البيع بالإيجار “عدل” واستيراد السلع الاستهلاكية وغيرها من المواد النصف المصنعة. في نفس الإطار، أكدت مصادر من قطاع التجارة أن العدد الكبير للمستوردين في الجزائر يعكس ربحية هذا النشاط، الذي تستمر الدولة في تشجيعه على حساب الإنتاج. ورغم أن عدد المستوردين قد تقلص مقارنة بالسنوات الأخيرة، إلا أن فاتورة الواردات لازالت تسجل أرقاما قياسية عجزت الحكومة عن التحكم فيها وتقليصها، خاصة بعد الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الوطني بعد دخول التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. في السياق نفسه، أكدت ذات المصادر أن تقلص عدد المستوردين لا يعني اعتزالهم هذا النشاط، وإنما تفضيلهم التكتل مع شركات أخرى لاحتكار تسويق ما تبقى من المواد المسوقة محليا. على صعيد آخر، حملت نفس المصادر مسؤولية تهريب أموال ضخمة من العملة الصعبة لعدد من المستوردين الذين يتفننون في إنشاء شركات وهمية لا يمكن تقفي أثرها، ليقوموا بعدها بعمليات استيراد قانونية تمكنهم من تحويل مبالغ هامة من العملة الصعبة نحو البنوك الأجنبية، دون رجعة، وذلك عن طريق تقديم تصريحات كاذبة بالنسبة للقيمة أو المنشأ، باقتناء عتاد دون أي قيمة تجارية يتم التخلي عنه في الموانئ الوطنية، حتى قبل جمركته، أو تضخيم فواتير استيراد السلع والبضائع القادمة من العديد من الدول الأجنبية نحو الجزائر. للتذكير، كان آخر العمليات التي تمكنت مصالح الجمارك من كشفها، في إطار تهريب العملة الصعبة، تلك المتعلقة باستيراد أطنان من الأرز الآسيوي الرخيص، والذي قدمت بشأنه فواتير تم تضخيم قيمته التي لا تعكس أسعاره الحقيقية في أسواق البورصة.