يقول الأستاذ راتب النابلسي: هل فكَّرْتَ أيُّها الإنسان بالنِّعْمة الكبرى الّتي أنعَمَها اللّه عليك؟ إنَّها نِعمة الإيجاد، لمْ تكن من قبل موجودًا، ولم يكن لك أثرٌ، لم يكن لك اسم، لم يكن لك وُجود، أنْعَمَ اللّه عليك بنِعْمَة الإيجاد، وأنْعَمَ اللّه عليك بِنِعمة الإمداد، هو ربّ العالمين، وأنْعَمَ اللّه عليك بنِعْمة الهُدَى والرّشاد، قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} الإنسان، هذه النّطفة الأمْشاج يُشير العلماء إلى أنَّ خمسة آلاف مليون معلومة مُتَوَضِّعَة على الحُوَين المنوي، وعلى البُوَيْضة، وأنّ هذا الحُوَين يخْترقُ البُوَيضة، ويتلاقحان، وينْجِبان الجنين الّذي يتشكَّل من خمسة آلاف مليون معلومة من الذَّكَر، وخمسة آلاف مليون معلومة من الأنثى، وهذا ما يُشير إليه العلماء في قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} أي مختلطة، ثمّ قال تعالى: {نَبْتَلِيهِ} وسرُّ وُجود الإنسان في الأرض هو الابتِلاء، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. وأبْرزُ ما في الحياة أنَّ اللّه سبحانه وتعالى سخَّر الكون تسْخير تعريف وتكريم، ومنَحَ العقْل لِيَكون مناطَ التّكليف، وأداة المعرفة، وأوْدَعَ الشّهوات لِيَرقى بها الإنسان صابرًا وشاكرًا إلى ربّ الأرض والسّماوات، ومنحنا نعمة الاختيار في الكَسْب لِيُثَمَّنَ العمل، فلو أنّ اللّه أجْبرَ عبادهُ على الطّاعة لبَطَل الثّواب، ولو أجْبرهُم على المعْصِيَة لبَطَل العِقاب، ولو تركَهم هُمّلاً لكان عجْزًا في القدرة، قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.