عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة”. رواه البخاري. وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”يقول الله سبحانه وتعالى: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة”. رواه ابن ماجة. واقتضت حكمة الله أن تكون حياة البشر على ظهر هذه الأرض مزيجاً من السعادة والشقاء، والفرح والترح. واللذائذ والآلام. فيستحيل أن ترى فيها لذة غير مشوبة بألم، أو صحة لا يكدرها سقم، أو سرور لا ينغصه حزن، أو راحة لا يخالطها تعب، أو اجتماع لا يعقبه فراق. كل هذا ينافي طبيعة الحياة الدنيا. ودور الإنسان فيها. والذي بينه ربنا جل وعلا بقوله: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا}.الإنسان 2. ولهذا فإن خير ما تواجه به تقلبات الحياة ومصائب الدنيا. الصبر علي الشدائد والمصائب. الصبر الذي يمتنع معه العبد من فعل ما لا يحسن وما لا يليق. وحقيقته حبس النفس عن الجزع. واللسان عن التشكي. والجوارح عن لطم الخدود ونحوها. وهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. وقد ذكر في القرآن في نحو تسعين موضعاً كما قال الإمام أحمد وما ذلك إلا لضرورته وحاجة العبد إليه. والصبر أنواع ثلاثة: صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر على المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها. وصبر على الأقضية والأقدار حتى لا يتسخطها. وهذه الأحاديث القدسية في النوع الثالث من أنواع الصبر وهو الصبر على أقدار الله المؤلمة. والصبر النافع الذي يترتب عليه الثواب والأجر ويؤتي ثماره وآثاره في نفس العبد كما جاء مصرحاً به في الأحاديث هو ما كان في أول وقوع البلاء. بأن يفوض المؤمن أمره ويسلمه إلى أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين. ويستسلم لأمره وقضائه. فإن للمصيبة روعة تهز القلب وتذهب باللب. فإذا صبر العبد عند الصدمة الأولى انكسرت حدتها. وضعفت قوتها. وهان عليه بعد ذلك استدامة الصبر واستمراره. وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال لها: ”اتقي الله واصبري”. قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه. فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين. فقالت: لم أعرفك. فقال: ”إنما الصبر عند الصدمة الأولى”. رواه البخاري. قال بعض الحكماء: ”العاقل يصنع في أول يوم من أيام المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام”. وأما إذا تضجر وتبرم في أول الأمر. ثم لما يئس صبر لأنه لم يجد خياراً غيره. فإنه يكون بذلك قد حرم نفسه من أجر الصبر وثوابه. وأتى بما يشترك فيه جميع الناس. فلا فائدة من الصبر حينئذ.