من الباحثين من قال إنه كلما اشتدت الأزمة المالية تعاظمت القوة الاجتماعية في شكل تلاحمها وتماسكها البنيوي، هذا السياق غاب عن السيد الوزير الأول في تفسيره للظروف الاستثنائية التي تعرفها أزمة أسعار النفط، وتراجع عائدات البلاد المالية، واستدعاء الجزائريين للتقبل بشكل عاجل لقرارات التقشف التي اتخذتها الحكومة لمواجهة أزمة الانهيار الكبير لأسعار النفط في الأسواق العالمية، وهذا راجع لتطبيق ما أفرزه الاجتماع الوزاري المصغر الذي عقد قبل شهر، أخذا بعين الاعتبار تداعيات ذلك على السياسات الاجتماعية والاقتصادية للحكومة، التي أحدثت سريعا مخاوف لدى الطبقات العمالية والشعبية من تأثيراتها المباشرة على القدرة الشرائية. لكن في الأسبوع نفسه كشف مجلس المحاسبة في تقريره الخاص بطرق وكيفية صرف موازنة عام 2012 عن مجموعة إخلالات وخروقات كبيرة في صرف المال العام من قبل الحكومة، وتحايل عدد من القطاعات الوزارية في الإنفاق وهدر المال على مشاريع غير جدية وأخرى متوقفة منذ سنوات. والأخطر في ذلك ما صرح به وزير التجارة، عمارة بن يونس، فيما يخص تقلبات أسعار البترول في الآونة الأخيرة بالهزات الأرضية، في رده على سؤال حول الاستفاقة المتأخرة للحكومة الجزائرية في مواجهة الأزمة قائلا: “التقلبات في أسعار النفط تشبه تماما الهزات الارتدادية”، مشيرا إلى أن الحكومة لا تستطيع أن تتنبأ بأسعار البترول (هذه مفاجئة)، ليضيف في قوله مثلما هو الحال في عدم قدرتنا على التنبؤ بالهزات الأرضية (هذا متوقع). في كل الأحوال فإنه ربما كان بمقدور أهل السياسة أن يقولوا أو يفرضوا أي شيء بما يملكون من سلطان في إدارتهم لشكل ومضمون المعلومة. لكن الشيء الوحيد الذي لا يزال الغموض يحيط بخلفياته، حتى يوم أمس على الأقل. وحين تابعت ما نشرته الصحف ونقلته المواقع وتداولته الشاشات من تحليلات وتأويلات بخصوص أزمة البترول وتداعياته لتنحصر على المواطن فقط..!! فإن تعدد الاجتهادات ضاعف من الغموض، ولم يقدم تفسيرا شافيا أو مقنعا، لكون الحكومة لا تكشف أوراقها الاقتصادية للشعب، ولا الشعب يعرف ماذا يدور في غرف وزارة المالية، ففي المجتمعات الديمقراطية يشترك الشعب في الاختيار ويكون على علم كامل بكل أحواله الاقتصادية. ما تمناه هؤلاء لم يكن كله وهما، لأنه استند إلى مسوغات لا تخلو من صحة حين تحذر الحكومة مواطنيها باتخاذها سياسة التقشف بلغة شد الحزام بحكم أن الأزمة الاقتصادية تمسك بخناق البلد إلى حد مؤرق. وأفهم أن ثمة إحباطا في أوساط الشباب الذين لم تحقق طموحاتهم، مع هذا كان مفهوما في ظل هذه الظروف المستجدة لو بادرت من تلقاء نفسها من الاكتفاء ب14 وزيرا مثل ألمانيا بدل تعيين 26 وزيرا، إلى جانب ما يثير العديد من التساؤلات الاحتفاظ بعدد سفارات الجزائر بالخارج وهي في مجملها 86 سفارة (28 سفارة بإفريقيا، 21 آسيا، 20 أوربا، 07 أمريكا) بينما (أمريكا بالرغم من هيمنتها وقوتها لديها 90 سفارة فقط)، ولم يتم منع استيراد السلع الترفيهية المتنوعة التي تكلف الجزائر مليار دولارات سنويا!!! في أغلب الدول المتقدمة بالاتحاد الأوروبي وأمريكا لا تتلقى الجمعيات المختلفة وممثلي المجتمع المدني دعما ماليا من الحكومة، وإنما تقوم بتمويل نفسها ذاتيا عن طريق الفاعلين والمستثمرين، ومن تفشل تغلق، وهذا ما ينبغي تماما عمله في الجزائر. أدري أن ثمة أخطاء وقعت فيها حكومتنا، وعليه لا يكفي العزف على وتر الفقر، كما لست واثقا مما إذا كان ذلك الغموض وذاك التضارب قد أصبح تقليدا، أم أنه من إفرازات غياب الشفافية، لكنني أعرف أن الثقة في التصريحات الرسمية أمر لا غنى عنه في إدارة السياسة الرشيدة، لأنه واهم من يتصور أن التقدم يحتاج لنظام رأسمالي حر، لكنه أيضا يحتاج لضابط قانوني وجو ديمقراطي وإدارة شفافة. [email protected]