أوضح القائد المدرب والخبير الدولي في أمن وسلامة الطيران المدني، اختصاص أيرباص طراز (أ. 320)، أحمد بودبوس، في حوار ل«الخبر”، بأن هناك عدة احتمالات لفك لغز تحطم طائرة أيرباص الألمانية وارتطامها بجبال الآلب جنوبي فرنسا الثلاثاء الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 150 مسافر، بينهم 6 من طاقم الطائرة. وقال، في إجابته عن أسئلة “الخبر”، بأن الفرضيات الأقرب والأرجح تتمحور أولا حول انتحار أو نية تحطيم الطائرة تنفيذا لأوامر إرهابية أو عمل إجرامي، ثم فقدان الوعي التدريجي للطيارين بسبب اختلال في تنظيم الأجهزة الداخلية المتحكمة في الضغط على متن الطائرة، مضيفا بأن عمر الطائرة البالغ 24 سنة لا يشكل أي خطر على سلامة المسافرين، علما أن هذا النوع من الأيرباص (أ.320) يتمتع بأرقى وأعلى ما أنتج الإنسان من الناحية التقنية ذات التكنولوجيا الحديثة وأجهزة التحكم القوية لضمان أمن وسلامة الطياريين والمسافرين. مع الإشارة إلى أن الحوار أجري قبل الندوة الصحفية لوكيل الجمهورية لدى محكمة مارسيليا التي نشطها زوال أمس. أوردت وكالة نيويورك تايمز أمس من مصدر موثوق من مختبر فرقة التحقيق والتحليل بباريس الذي شرع في استغلال الصندوق الأسود سيناريو يتعلق بانسحاب قائد الطائرة من قمرة القيادة، ثم استحالة دخوله الغرفة بعد عودته، بالرغم من طرقه للباب عدة مرات ورفض مساعده فتح الباب إلى حد سماع أصوات محاولة اقتحام غرفة القيادة لكن دون جدوى إلى غاية سقوط الطائرة. فكيف تفسرون هذا السيناريو؟ حقا، إنه سيناريو وارد، نعم بإمكان مساعد قائد الطائرة غلق الباب من الداخل لأسباب أمنية، وهذه التعليمات تم العمل بها منذ أحداث 11 سبتمبر، مع الإشارة إلى أنه يوجد رقم سري يتم استعماله للدخول لكنه يجمد بعد 30 ثانية ليتجدد آخر، وبعد5 دقائق تتم عملية التجميد ثانية، ما يفسر غلق الباب من الداخل وسماع أصوات محاولة القائد كسر الباب الحديدي لاقتحام قمرة القيادة. الغريب في الأمر في هذه الحالة أنه لم يتم تسجيل أي اتصال هاتفي أو رسائل قصيرة بعائلات الضحايا من قِبل الركاب لإخطارهم بما يجري أو لدى سماعهم صفارات الإنذار. علما أن الهواتف النقالة كانت تشتغل على ذلك العلو. هل ترجّحون فرضية الانتحار أم العمل الإرهابي أمام هذا السيناريو الذي يظهر بأنه إرادي، حسب آخر المعطيات المقدمة عقب 48 ساعة من تحطّم الطائرة؟ بالنظر إلى هذا السيناريو، فإن فرضية الانتحار هي الأقرب، ثم في اعتقادي فإن تنفيذ أوامر من جهات مجهولة بنيّة العمل الإجرامي من أجل تحطيم الطائرة واردة أيضا ولا يمكن استبعادها. بعيدا عن هذا السيناريو، كيف كان تصوركم الشخصي وتحليلكم أنتم، بصفتكم قائدا ومدربا مختصا في هذا النوع من الطائرات، فور تلقيكم نبأ حادث تحطم طائرة الأيرباص من طراز (أ. 320)؟ جملة من الأسئلة تبادرت إلى ذهني منذ الوهلة الأولى تضمنت العديد من الاحتمالات؛ الأول تلخص لدي كباقي المختصين ثم تم استبعاده إلى غاية الساعات الأولى كون حادث تحطم هذه الطائرة لغز في حد ذاتها وغريب، لأن التحليل العادي لمجمل الحوادث التي مرت في تاريخ الطيران المدني كانت ترتكز على مؤشرات واضحة، لكن اليوم نحن أمام حادث نوعي سيمثل منعرجا تاريخيا في الملاحة الجوية والطيران المدني، لأن الأسباب تبدو غامضة ومجهول مغزاها. والعامل الثاني يتمثل في الخلل التقني، لكنني أستبعد تماما ذلك الاحتمال كون طائرة الأيرباص طراز (أ. 320) تعد من أرقى وأعلى ما أنتج الإنسان من الناحية التقنية لضمان أمن وسلامة وحماية الطيارين والمسافرين، ليبقى الخطأ البشري المهيمن على الوضع بطريقة مباشرة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف لطيار محترف ذي كفاءة عالية مدرب من قِبل أكبر الشركات الجوية العالمية “لوفتانزا” الألمانية أن يواصل النزول بالسرعة نفسها وبالمنحنى نفسه ليرتطم مباشرة بجبال الآلب كأنه واع بذلك وكأنما هو فعل إرادي؟ وهذا هو السؤال اللغز الذي يحمل فرضيتين: الأولى إما أن الطيارين فقدا الوعي بصفة بطيئة نتيجة نقص كمية الأوكسجين الكافية على متن الطائرة، بسبب اختلال في الأجهزة الثلاثة المتحكمة في منظم الضغط وإما الفعل الإرادي الظاهري لأحد الطيارين نتيجة فقدان الوعي، خاصة وأنه لم يتم إرسال أي نداء إغاثة أو إنذار بالاقتراب من الجبال. وأعيد وأكرر بأن السقوط تم تطبيقا لأوامر من جهات إجرامية مجهولة، لكن فرضية العمل الإرهابي تبقى ضعيفة كون الإجراءات الأمنية أصبحت مشددة على مستوى كل المطارات، وهو ما ستسفر عنه التحليلات الأولية المستغلة من قِبل العلبة السوداء. بالوصول إلى العلبة الأسود، ما هي المعلومات التي سيتم استغلالها فيها، علما أنه تم العثور عليها في حالة رديئة؟ سيكشف عن كل ما جرى داخل قمرة أو غرفة القيادة من تسجيل صوتي بين القائد ومساعده، أو إذا ما كان هناك من أصوات أجنبية، لكنه بالتأكيد سيرفع اللبس عن الملابسات الأولية لسقوط الطائرة مهما كانت حالة العلبة السوداء. بالرجوع إلى تكوين الطيارين، فعلى ماذا ترتكز أهم الشروط، وهل التجربة القليلة لمساعد الطيار المقدرة ب630 ساعة من الطيران والتحاقه بالشركة خلال سبتمبر 2013 كافية لوجوده على متن الطائرة؟ بالتأكيد أكثر من 600 ساعة من الطيران تمنح له شهادة الكفاءة لقيادة طائرة لوحده، بعد تلقيه العديد من التمارين والتحليق مع قائد طيران مراقب مختص في الأمن والسلامة من أجل رفع كل النقائص وتداركها بعد قيادته طائرات صغيرة لمدة 350 ساعة، ليخضع بعدها إلى تكوين نصف معتمد يمكنه من كسب الخبرة الكافية للتحكم في زمام قيادة الطائرة مثل الأيرباص رغم التجربة القليلة وصغر سنه، دون إهمال طبعا برنامج التكوين المتضمن 18 مادة يتم انتقاء من خلاله الطلبة الذين يتمتعون بكفاءة بدنية وذهنية يتمرنون على أهم التقنيات والتعليمات اللازمة للتحكم في الطائرة، بما فيها الإجراءات المتخذة عند حدوث أي طارئ.