لم تمر أزمة انهيار أسعار المحروقات عالميا على الاقتصاد الوطني “كراماً” كما تحاول الحكومة الترويج له منذ بداية انحدار الأسعار وتراجع المداخيل الوطنية من جراء ذلك، بالموازاة مع تقلص في حجم الصادرات من المواد الطاقوية منذ قرابة السنة بسبب تضاؤل إنتاج حقول الغاز والبترول الجزائرية، الأمر الذي دفع السلطات العمومية إلى التوجه في نهاية المطاف نحو المصادر النفطية غير التقليدية على غرار الغاز الصخري. أول الصناديق التي لعبت دور “ممتص الصدمات” هو احتياطي الصرف، إذ شكل أول ضحية بحكم أن الحكومة لجأت إلى الاغتراف منه لتسديد الفرق بين النفقات العمومية التي تعهدت بالاستمرار في إنفاقها لتغطية المصاريف ذات العلاقة مع الجوانب الاجتماعية وبين التراجع المحسوس في المداخيل، حيث أكدت مصادر موثوقة من البنك المركزي ل”الخبر” أن وتيرة تراجع الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة في البنوك الأجنبية استقرت خلال الأشهر الستة الماضية عند معدل 2 مليار دولار شهريا، وهو متوسط خطير من شأنه أن يعرض هذا المخزون للنفاد في حال استمرار الأزمة في آفاق 3 سنوات على أقصى تقدير. وتعترف الأرقام الرسمية كذلك بأن احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي تراجعت ب8 مليار دولار في ظرف أربعة أشهر فقط، تزامنت مع انخفاض عائدات المحروقات التي قاربت 2 في المائة منذ بداية انهيار أسعار النفط دوليا، في حين أشار المحافظ العام لبنك الجزائر، محمد لكصاسي، إلى أن الاحتياطات انخفضت إلى ما دون 185 مليار دولار. ولم تستثن الحكومة في سياق بحثها عن مداخيل جديدة لتغطية الإنفاق العمومي الاحتياطات المودعة في صناديق التخصيص الخاصة، من منطلق أن وزير المالية محمد جلاب قد أكد، في تصريح سابق، على تشديد الرقابة على صرف المال العام وإنفاق الأموال المودعة في هذه الحسابات، والعمل بناء على ذلك على تقليص عدد الصناديق الخاصة من 68 الموجودة حاليا إلى 55 صندوقا، باعتباره الإجراء المنصوص عليه في قانون المالية لسنة 2015، في خطوة لتطهير هذه الصناديق، وتقييد وتتبع مسارات تحصيل الأموال المودعة على مستواها وقنوات إنفاقها، على اعتبار أن بعض هذه الصناديق يمكن التخلي عنها، من خلال عمليات دمجها في حسابات أخرى لها نفس الميزات، فضلا على غلق الحسابات التي أوجدت من قبل السلطات العمومية في ظروف معينة لم تعد موجودة في المرحلة الراهنة، بالموازاة مع الغلق التلقائي للصناديق التي لم تستعمل لمدة ثلاث سنوات. بالمقابل، فإن السلطات العمومية ستضطر رغم كل الإجراءات المتخذة عن طريق المراسيم التنفيذية أو الأمريات الوزارية، إلى الاستنجاد بقانون مالية تكميلي منتصف السنة الحالية، حسب التصريح الأخير للوزير الأول عبد المالك سلال، وستحاول من خلاله إيجاد الحلول ذات الطابع الإداري أو الاقتصادي ل«ترشيد” الإنفاق العمومي والتقليص من حجم فاتورة الواردات الوطنية. وفي هذا الشأن، توقع رئيس لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، برابح زبار، في تصريح ل”الخبر”، أن تلجأ الحكومة إلى تمرير قانون المالية التكميلي خلال الدورة الربيعية الحالية، كون الطابع الاستعجالي للتدابير يفرض عدم الانتظار إلى غاية الدورة الخريفية المقبلة، بينما أشار إلى أن الآجال المقررة قانونا ب75 يوما لدراسة قانون الميزانية غير كافية، بصرف النظر عن فرض أدوار إضافية على لجنة المالية، على غرار قانون مالية تكميلي وقانون تسوية الميزانية. وشدد المتحدث، موازاة مع ذلك، على تعجيل السلطات العمومية فرض إصلاحات مالية على نظام الضرائب، النظام المصرفي وقطاع الجمارك، في إطار ما عبّر عنه ببرنامج “ترشيد الإنفاق العمومي”.