لم تكن نهاية العام الجاري سعيدة لصناع القرار بسبب تراجع أسعار النفط إلى مستويات لم تشهدها منذ أكثر من خمس سنوات، فبعد البحبوحة المالية التي عرفتها الجزائر طيلة السنة، استفاق الجزائريون على وقع انهيار أسعار المحروقات، أثار قلق الحكومة، التي ورغم تطمينات أعضائها إلا أنها سارعت لرسم سيناريوهات بديلة لمواجهة استمرار الأزمة في الأسعار. ستترك سنة 2014 التي تودعنا بعد أيام، لدى الجزائريين شعورا بالريبة والخوف من المستقبل بسبب تراجع أسعار النفط التي تراجعت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، حيث تراجعت أسعار النفط إلى اقل من 60 دولار للبرميل، وهو ادني مستوى تصله منذ خمس سنوات، حيث فقد سعر النفط نصف من قيمته منذ جوان الماضي بسبب الطفرة في العرض من جهة وتنامي قوة الدولار، وخاصة ضعف الطلب. وهو ما يهدد مداخيل الدول النفطية ومن بينها الجزائر التي قد تخسر قرابة ثلث مداخيلها العام المقبل في حال استمرار النفط في التراجع هذه الوضعية حركت المسؤولين ودفعتهم إلى بحث البدائل المتاحة، أمام إصرار السعودية التي تعد اكبر منتج في منظمة اوبك على عدم التدخل لوقف انهيار الأسعار، وكان الملف على طاولة الاجتماع الذي عقده الرئيس بوتفليقة مع عدد من وزراء حكومة سلال، وفي لقاء وصفه المتتبعون باجتماع «طوارئ»، أوعز إليه الرئيس لترتيب مرحلة ما بعد تهاوي أسعار النفط إلى ما دون 60 دولار و آثار هذا الانخفاض على التوازنات المالية للبلاد و خطط الرئيس للخماسي (2014 /2019) ورغم التطمينات التي دأب على ترديدها الوزير الأول وأعضاء حكومته بشان المالية العمومية، وتأثر الجزائر من تداعيات تراجع أسعار النفط، وإصرار الحكومة على مواصلة تنفيذ سياستها الاجتماعية المكلفة والتي تقدر فاتورتها ب 60 مليار دولار، إلا أن الجميع مدركون بان الأوضاع ليست مريحة، خاصة وان 98 بالمائة من إيرادات الدولة تأتي من المحروقات، وما يزيد من خطورة الوضع، ارتفاع فاتورة الواردات التي بلغت مستويات غير مسبوقة. ويدرك المتتبعون بان أموال احتياطي الصرف لن تصمد كثيرا في حال استمرار انخفاض الأسعار، وهو تحذير جاء على لسان محافظ بنك الجزائر، محمد لكصاسي، الذي لم يخفي تشاؤمه بخصوص مصير الصحة المالية للجزائر، في حال استمر تدهور أسعار النفط في الأسواق الدولية. وقال أن "احتياطيات العملة الصعبة الحالية (نحو 200 مليار دولار)، تسمح للجزائر بمواجهة الصدمات على ميزان المدفوعات الخارجية في الأجل القصير، إلا أن هذه القدرة على مقاومة الصدمات قد تتآكل بسرعة، في حال بقيت أسعار البرميل على مستويات منخفضة لمدة طويلة". ويقلل المحللون من إمكانية تعافي السوق النفطية في المدى القريب، ويعتقدون بان الأسعار لن تتجاوز في أحسن الأحوال عتبة 70 دولار للبرميل العام المقبل، ما قد يدفع الحكومة إلى اعتماد قانون مالية تكميلي يوصف بالتقشف في الإنفاق الحكومي «خارج المخطط الخماسي»، بالموازاة مع اعتماد قرارات لضبط الواردات بعد إعادة فرض نظام الرخص على الواردات للتقليل من خطر استنزاف احتياطي الصرف. ويجمع الخبراء، بان الجزائر أمام "الفرصة الأخيرة" للخروج من التبعية لسعر المحروقات، والتوجه للاستثمار في القطاعات المنتجة، بدلا من ضخ الأموال المستمدة من مداخيل الريع في المشاريع البنية التحتية غير القادرة على الإنتاج من الناحية الاقتصادية.